المساواة في الميراث: مبادرة الرئيس وما وراءها !

القاضي أحمد الرحموني
الذي يظهر من خطاب رئيس الجمهورية يوم 13 أوت الفارط هو الإيهام بأن المقترح الذي تقدم به بشأن المساواة في الميراث هو حل توفيقي يأخذ في الإعتبار “مصالح” المعارضين للمساواة أو الراغبين في تطبيق الشريعة مع مراعاة أحكام الدستور التي تقتضي التسوية بين المواطنين والمواطنات !. وهو ما بدا للبعض (أفرادا وأحزابا) خروجا من الجدل وترضية للفريقين !.
لكن التامل في مضمون هذا المقترح ومقاصده ينتهي إلى اكتشاف “المغالطات” الخلفية التي تستهدف -بطريقة متدرجة- إلغاء نظام التوريث الحالي المستمد من الشريعة الإسلامية :
1. فمن جهة أولى، تفترض المبادرة -كيفما عرضت- إقرار قاعدة المساواة كمبدإ عام إعتقادا بأنها تمثل “القانون العصري” المستمد من الدستور والأخذ في آن واحد باستثناء “ثانوي” هو إرادة المورث الصريحة في تطبيق قاعدة “للذكر مثل حظ الأنثيين” على قسمة تركته الخاصة.
وبصيغة أخرى الإتجاه إلى اعتماد قاعدة المساواة ضمن قانون مشترك ذي انطباق عام يجد مجاله الواسع في التطبيق سواء عند سكوت المورث أو سهوه ودون حاجة لأية شكلية حتى وإن كانت إرادة المورث الضمنية تتجه إلى رغبته في تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية. ولا يخفى من هذا المنظور الموقع “المتدني” للقاعدة الشرعية (ذي التطبيق الخاص) التي يراد إختراقها بدعوى إنتمائها إلى قانون “تقليدي” و”غير عادل” !
2. أما من جهة ثانية، فيؤدي المقترح طبق ذلك التصور إلى إنشاء نظامين قانونيين (متفاوتي القيمة) يمكن تطبيقهما على نفس المال المتروك (في صورة تعاقب الوفيات وتعدد التركات).
ومن شأن ذلك أن يحدث ما يعرف بالتعددية القانونية التي تفترض في هذه الحالة وجود نظامين مختلفين للميراث: أولهما (وهو الدخيل) مستمد من القانون الغربي وثانيهما (وهو الأصيل) مستمد من الشريعة الاسلامية.
لكن يبدو واضحا أن اختيار قاعدة المساواة كقانون مشترك سيؤدي لا محالة إلى “التفوق المبدئي” لنظام التوريث المستمد من القانون الغربي في مقابل “تهميش” القاعدة الشرعية ذات التطبيق الخاص.
3. أما من جهة ثالثة، فإن ترسيخ القاعدة “الدخيلة” كحكم مبدئي سيسمح بتطوير نظام متكامل لما يمكن تسميته بنظام الميراث العصري ومن المتوقع أن يتم ذلك بصفة مستقلة عن نظام الميراث الإسلامي الذي تتبناه مجلة الأحوال الشخصية. ومن الوارد أن يمهد ذلك لحلول ميراث بديل عن أحكام المواريث الشرعية في نهاية المطاف.
4. أما من جهة أخيرة فيمكن التأكيد في ضوء ما سبق أن الأخذ بنظام التوريث الإسلامي (وخصوصا بقاعدة للذكر مثل حظ الأنثيين) سيكتسي صبغة وقتية في صورة نجاح المبادرة الرئاسية وسنرى -قريبا أو بعيدا-دعوات لإلغاء هذا الإستثناء وتوحيد النظام القانوني والتخلي عن “الموروث القديم”!

Exit mobile version