في الإستخفاف.. والقابليّة للإستخفاف

عبد القادر عبار

كما أن القابلية للاستعمار -حسب نظرية مالك بن نبي- قد مهدت للاستعمار في بسط نفوذه على كثير من البلدان.. كذلك لولا القابلية للاستخفاف.. لما استخفّ حاكم بمواطنيه.

استخفَّ القومَ: أي استهان بهم وِاسْتَفَزَّهم.. وما تجرّأ فرعون على استخفاف قومه إلا عندما أمِنَ سلبية ردة فعلهم على أقواله وتصرفاته نتيجة عمليات غسل دماغ خضعوا لها تحت حكمه الاستبدادي الطويل. 
واستخفاف الشعوب لم يتوقف عند فرعون موسى الذي ادعى لنفسه الربيوبية والألوهية وانه هو المالك للرأي السديد والقول الرشيد وأنه لا صواب إلا ما يراه هو بل يخبرنا التاريخ السياسي القريب والبعيد أن كل مستبد قد مارس عنجهيته ومرّر نسخته الخاصة به من الاستخفاف بقومه حسب مزاجه وعلى مقاسهم.

فقد رأينا من نسخ الاستخفاف بالشعوب في تاريخنا المعاصر في بداية الثمانيات،  مشهد عَوْم المجاهد الاكبر حيث كانت تعرض على الهواء بالصوت والصورة وتنقل “تبحيرة” الزعيم الصيفية وتتصدر نشرة الأخبار الوطنية.. كخبز إعلامي يومي ضروري ليستمتع الناس برؤية الزعيم باعتباره السباح الأول.. العصيّ على الغرق.. وليرسخ في الأذهان انه كما أنه يحسن السياسة فانه يتقن العوم والسباحة ..
كما استخفّهم وهو يسرد سيرته الذاتية على الهواء حيث أخبر بأنه استطاع ان يبطل نظرية عقم الخصيّ وذلك بدليل أنه قد أنجب ولدا رغم انه لا يملك إلا خصية واحدة. والأسرة التونسية بذكرها وأنثاها وكبيرها وصغيرها شاخصة إلى التلفاز تتابع سيرة الزعيم. كما استخفهم في مسامراته التاريخية بسرد بعض غرامياته وهو ينشد قول الشاعر
أمرّ على الديار ديار ليلى ** اقبّل ذا الجدار وذا الجدار
وما حبّ الديار شغلن قلبي ** ولكن حب من سكن الديار
وما ليلاه .. الا ماجدة تونس الأولى في زمانه. 

وأما آخر ما استجدّ من مشاهد الاستخفاف بالشعب وما عاين الناس منها، ثلاثية طريّة تداولتها وسائل الإعلام وصفحات التواصل الاجتماعي منها: ذلك الجهر بفحش الكلام الذي لا يجري عادة إلا على ألسنة السوقة من الناس حيث ردّ المترشح للرئاسة وهو في حملته الانتخابية على صُحفية بقوله على الملأ “برّي ..” (يمنعني الحياء من اكمال العبارة).. وثانيها استنقاصه من سيدة نائبة في البرلمان بقوله “ما هي إلا مرا” وهو ما ينمّ عن احتقار للأنثى مهما علا شأنها العلمي والثقافي والسياسي والاجتماعي. 

وآخرة الأثافي كما يقال ما جاء في خطاب عيد المرأة، ذلك التصريح الصريح بقوله “احنا ماعناش علاقة بالقرآن والدين نحن دولة مدنية”.. و10 ملايين مسلم من مواطنيه يستمعون اليه ويشاهدونه. 
فمن قال لك ان الاستخفاف بالشعوب قد انتهى مع فرعون موسى.. فلا تصدقه.

Exit mobile version