نور الدين الغيلوفي
رابعة…
كانت وحدها واقفة في العراء
تعاوت ذئاب من حولها في الأنحاء..
جاوبتها شقيقات لها تحاكيها فنّ العواء..
تستدرج الظلماء
لتعيد فينا مناورات داحس والغبراء
وتضعنا في مرمى شماتة الأعداء…
تلبّدت الأجواء..
وتبلّدت المشاعر بين ساكنة الغثاء..
كان موعدا مع النار أضرمها في الأحياء
خيرُ جند الأرض تحت دهشة السماء…
كان يوما لاحتطاب الحقد في مصر المحروسة..
تداعت حمّالات الحطب يتنافسن في جمع الوقود..
زمجرت مزمجرات ظنّها المطمئنّون في أرضهم تجرّب فيهم أصواتها للتخويف.. وما مرّ بذهن أحدٍ أنّ سقف الجريمة قد أسقطه بواسل العساكر ليتمرّغوا في الدم المسفوك وقد سال لعابهم لرائحة الشواء..
رابعة…
بدأت ملحمةً لشعب رفض الغدر بثورته
وانتهت مأساة كتب فصولها عسكر لم يتدرّب منذ نشأته على غير الغدر…
رابعة كانت بلا جناح في مرمى نيران الطيران وبلا حذاء بين المجنزرات..
رابعة كانت تمسح عينيها من أثر النوم لمّا شبّت النيران في ثيابها وهجم الفزع..
اختلطت الأمور على العينين من هيجان الدخان وتهشُّمِ العظام وانصباب النيران ونفور الدماء…
بكت رابعة فكُبت البكاء..
همدت من هول الفاجعة وشراسة النيران..
ولم تجد سبيلا إلى صوت ترسله طلبا لنجدة ما..
قطع المجرمون عنها مسالك الإنجاد…
سرقوا العدّة والعتاد…
صار البشر أكوَامَ رماد…
ابتسم المجرمون للمجرمين في فرحٍ لا يخفى..
ذاك الرماد هو الحصاد…
تحوّلت رابعة إلى ورشة لصنع الرماد البشري…
وصفة خارقة ليفتكّ العسكر منازل الآلهة إلى مدى غير منظور…
كان لا بدّ من رابعة لتدريب البشرية على مراجعة دروس توحّش حسبناها أوغلت في القِدَم وانقرض مدرّسوها.. وتلاميذهم..
كان لا بدّ من رابعة ليُحرَق زيف المتباكين على الإنسان محتكري الحريات الفردية والمساواة..
هي حريات تستثني رابعة..
ومساواة لم تقرأ حسابا لرابعة ولم تُحْصِ لها حظًّا….
كان لابدّ من رابعة لنحرق آخر أوعية الزيف في بلاد العرب…
رابعة خطوة جبّارة إلى الوراء على مرأى أمّة جرّبت نفض الغبار عن كتفيها فذُبحت لتكون عبرة لمن يعتبر…
فهل نعتبر؟