عبد القادر الونيسي
أمقت التباكي والتشاكي ولعب دور الضحية حتى أني غفلت عن تقديم ملفي إلى هيئة الحقيقة والكرامة كأحد ضحايا العهدين السابقين.
الذين يندبون حظهم اليوم لأنهم خوانجية لم يقرأوا التاريخ.
دولة ما بعد الإستقلال تأسست على معنى واحد. الإنتقام من الموروث العربي الإسلامي لتونس.
الإستقلال لم يكن في نظر بورڨيبة إنتصارا على فرنسا ولكن تصفية حساب مع الإسلام والزواتنة والعروبيين ومع تاريخ البلاد العربي الإسلامي بأبشع الوسائل وأحطها.
المعركة التي وقعت بين دولة الإستقلال والهوية الوطنية لم تقع في أي دولة ولا في تركيا.
كمال أتاتورك كان بطلا قوميا رد الإعتبار للهوية واللغة التركية وحرر أراضي كانت محتلة عكس بورڨيبة الذي ناصب العداء للغة البلاد وهويتها وفرط في أراضي تاريخية تونسية للجزائر وليبيا ليس بمعنى الأخوة العربية ولكن لجبن أصيل في طبعه.
النخب الأولى التي أحاطت ببورڨيبة بعمومها من عتاة العلمانيين وظفت وسائل الدولة لتصفية المؤسسات المجتمعية القائمة في غياب ردة فعل شعبية وقع ترهيبها بقوة الحديد والنار.
دولة عصرية لم تتأسس بإنخراط شعبي ولكن بوسائل قمعية متخلفة كان لها أثر بالغ بعد ذلك في شرعية الدولة نفسها.
ظن الجماعة أن الأمر استقر لهم حتى سبق عالم الإجتماع عبد الباقي الهرماسي الأميركي فوكوياما في الحديث عن نهاية التاريخ عندما تحدث سنة 1968 عن إنتصار نهائي لدولة الحداثة في تونس.
للتاريخ مكر كما يقول ماركس بعد سنتين يطل برأسه الخصم الذي أقامت له الدولة الحديثة جنازة وطنية وشيعته بيدها إلى قبره.
يعود الصراع على أشده متمثلا هذه المرة في التيار الإسلامي. استعملت الدولة أقصى أنواع العنف ووظفت نخبة أسيرة لحقد إيديولوجي أعمى بصيرتها.
دام الصراع ثلاثين سنة (داحس والغبراء التونسية) أنهته الثورة بإنتصارها على الدولة الظالمة المستبدة.
أنهت الثورة الإستبداد لكن فلوله لم تستسلم ومازالت تناوش مستفيدة من وضع إقليمي ودولي معادي لحرية الشعوب في تقرير المصير.
الحديث عن إضطهاد للإخوانجية بعد الثورة وقد توفرت وسائل المنافسة الحقيقية هو تضبيب للصراع الحقيقي وإستكانة إلى لعب دور الضحية المريح.
لم تتوفر شروط المنافسة في التاريخ الحديث كما هي متوفرة الآن. إن انهزمنا فلا نلومن إلا أنفسنا.
داحس والغبراء التونسية أنهته الثورة

عبد القادر الونيسي