من أين نبدأ الحديث في ظل مشهد سياسي يزداد تعقيدا يوما بعد يوم و وضع اقتصادي يتأرجح بين قوى الردة وثورة عازمة على تحقيق أهدافها وضغط إقليمي دولي يمزقه صراع داخلي ومازاد الطين بلة شعب سئم الشأن العام وفقد ثقته في من حوله من بني جنسه وفي من يدير شأنه وغير قادر على تحمل مسئولية إدارة حكمه الذاتي فما بالك بإدارة حكم البلاد.
لنأخذ نقطة الصفر على سلم الزمن خطاب رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي الأخير وهجومه المباشر على رئيس الحكومة يوسف الشاهد ثم لقاء يوم الإثنين بقصر قرطاج الذي جمع رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة والأمين العام للإتحاد التونسي للشغل ورئيس الإتحاد العام التونسي للصناعة والتجارة وحافظ قائد السبسي لبحث عن حل للخروج من الأزمة السياسية المزعومة ومواصلة العمل تحت سقف وثيقة قرطاج 2، إلا أن ما حصل هو مشادة كلامية بين يوسف الشاهد وحافظ قائد السبسي وصلت إلى حد تدخل الطبوبي لفض ووقف المشادة بالإنحياز إلى رئيس الحكومة و أمر حافظ بالسكوت.
ليلا تصدر حركة النهضة بيانا واضح اللهجة والذي جاء فيه ثلاث نقاط: الإبقاء على يوسف الشاهد على رأس الحكومة مع سد الشغور، الطلب من رئيس الحكومة عدم الترشح للإنتخابات الرئاسية 2019 وأخيرا الإسراع في الإصلاحات الكبرى.
في الأثناء وجد يوسف الشاهد نفسه أمام خيارين إما الإستقالة أو مواصلة العمل تحت ضغط الشارع والأحزاب السياسية والضغوطات الإقليمية والدولية التي تمثلت في زيارات من شخصيات ذات نفوذ عالمي مختلفة منها البنك العالمي وصندوق النقد الدولي.
في الأثناء قام رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي بتحركات سريعة وناجعة لإنقاذ نداء تونس والحد من نفوذ الإبن المتمرد رئيس الحكومة يوسف الشاهد وقام باستدعاء الكتلة البرلمانية لنداء تونس التي أفضت إلى شبه إجماع يقضي باستدعاء حكومة الشاهد وسحب الثقة منها.
فكان رد مباشر من رئاسة الحكومة كان جل ما جاء فيه موجه إلى القيادات الإقليمية والدولية والإحاء بأن في حالة سحب الثقة من الحكومة فمن سيقوم بالسهر على الإصلاحات الكبرى التي في نظر الحكومة تمر عبر مشروع ميزانية 2019 وتفعيل الإتفاقيات الدولية المبرمة بين الحكومة والمؤسسات الدولية النافذة والمقرضة.
من هنا وحسب رأيي أخطأ الشاهد التقدير فالإصلاحات الكبرى “المنشودة” وإدارة الشأن العام للبلاد يمكن القيام به خارج الإطار الحكومي في ظل مجالس بلدية منتخبة وتماسك التوافق الحزبي ووجود مجلس نواب شعب منتخب.
هنا يصبح مجال تحرك يوسف الشاهد ضيق جدا بمعنى الإسراع في الإصلاحات الكبرى المنشودة وتغيير رزنامة العمل التي جاءت في بيان رئاسة الحكومة البارحة من الناحية الزمنية،
لكن يعلم يوسف الشاهد جيدا أن الإصلاحات الكبرى المنشودة هي عبارة عن زلزال مدوي لا أحد يعلم مدى امتداد أضراره المباشرة والغير مباشرة والجانبية في ظل غياب الوعي الشعبي وقدرته على التضحية للوصول بتونس إلى بر الأمان وتحقيق الإستقرار الحقيقي والرخاء المطلوب. بلغة أخرى يصبح مستقبل الشاهد السياسي على المحك.
الآن الكرة عند الشاهد إما الإصلاحات الكبرى عبر حكومته أو الإصلاحات الكبرى في ظل غياب للحكومة وسحب الثقة من حكومة الشاهد.
إذا أخذنا الفرضية الثانية ألا وهية إقالة حكومة الشاهد يصبح أمر تشكيل حكومة ثانية صعب جداً قبل الوصول إلى الإستحقاقات الإنتخابية المقبلة، مما ينجر عنه حتما القيام بالإصلاحات الكبرى المنشودة خارج الإطار الحكومي ونحن نعتقد شخصيا أنه أسرع وأنجع.
أيضا نعتقد أن هذه الإجراءات والتغيرات الراديكالية ستغير من المشهد الحزبي مع وجود أحزاب جديدة يمكن أن يكون أحدها حزب يوسف الشاهد.
حزب نداء تونس بقيادة الباجي قائد السبسي ودعم نبيل القروي الذي يتمتع بفهم دقيق للوضع السياسي الداخلي ومربعات النفوذ داخليا والوضع الدولي ومربعات النفوذ دوليا والذي لا يقل نفوذه عن نفوذ الشيخ راشد الغنوشي والذي يمكن أن يصبح الداعم الرئيسي أي راشد الغنوشي لحزب يوسف الشاهد في ترشحه للإنتخابات الرئاسية المقبلة.