الباجي و الغنوشي و العلاقة المتماهية
عبد القادر الونيسي
واهم من يظن أن العلاقة بين الشيخين محكومة بالتوافق فهو الذي صنعها و هو الذي سينهيها.
لم يكن أحدهما يعرف الآخر أصلا بل بدأت العلاقة بينهما بتلاسن بدأه الشيخ راشد متعرضا للباجي بأنه من تركة الماضي وذكر العبارة الشهيرة “الحكة القديمة” لم يتردد الباجي ورد بطريقة محترفي الردود الصاعقة (إختصاص البلدية) مذكرا الغنوشي أنهما يشتركان في القديم لكن مع الفارق في الحكة.
حمل النهر بعد ذلك مياها كثيرة والتقيا من أجل التوافق الذي سعى له الباجي عندما أيقن غداة الإنتخابات أنه لا يملك حزبا بل كمشة من الوصوليين والفاسدين وبعض “الذري”.
بدأت العلاقة حذرة فيها الكثير من “Bluff” الإيهام والمخاتلة على طريقة لعبة “Poker” سرعان ما انتهت إلى علاقة مشوقة فيها أقدار كبيرة من الصدق والصداقة.
اكتشف الغنوشي أنه في حاجة للباجي لسبر أغوار السياسة في تونس وفهم صناعتها وكشف أسرارها وقد ألقت به الأقدار بين يدي أحد أباطرتها وعراببها.
كان الغنوشي في حاجة للباجي ليفهم هذه الدنيا التي انقطع عنها لسنوات طويلة.
اكتشف الباجي في الغنوشي “الشيخ” وهو سليل عائلة صوفية ويحمل إسم أحد رموزها المشهورين (أبو سعيد الباجي).
تربى الباجي في باب سويقة بين سيدي محرز والزاوية البوكرية وزوايا أخرى هنا وهناك ضمن ثقافة مركزها وقطب رحاها الشيخ.
أحس الباجي كم هو في حاجة للغنوشي وهو على مشارف مغادرة هذه الدنيا (كل نفس ذائقة الموت) وكم كان غافلا عن الإستعداد لدار القرار.
وجد في الغنوشي مطيته إلى الآخرة وبعض ملامح الشيخ المدفون في الأعماق.
انبهر الباجي بالفكر الفلسفي لصديقه الجديد وقدرته الفائقة على إستنطاق النصوص الدينية. (للغنوشي سحر على الحكام وارتبط بعلاقات خاصة مع صدام والقذافي والملك الحسن الثاني والملك عبدالله وبوتفليقة…).
حصل التماهي بين الرجلين لكن في إتجاهين مختلفين: أحدهما في إتجاه الدنيا والآخر في إتجاه الآخرة.
العلاقة بين الرجلين لم تعد تحكمها ألاعيب السياسة وإكراهاتها بل أصبحت محكومة برباط الحاجة: حاجة الأول ليعبر إلى الدنيا وحاجة الثاني ليعبر إلى الآخرة.
و الله ما ورآء القصد.