كرواتيا لم تفز بكأس العالم لكنّها لم تخسر..
نور الدين الغيلوفي
فريق شابّ قدّم عرضا كرويّا جماعيّا ممتعا يحيل على إعداد واستعداد ظاهرين.. أداؤه في المباراة كان أشبه بسنفونية متكاملة إيقاعاتها متناغمة بين لاعبين مهرة ظلّوا مقاتلين شرسين حتّى آخر لحظة من لحظات المباراة.. ولم يفتّ فيهم سبق خصومهم في الميدان.. اعتصموا بإرادة فولاذية قد لا تشي بها وجوههم الطريّة.. وقاتلوا باقتدار نادر حتّى آخر رمق من عمر المباراة…
دولة صغيرة لا يتجاوز سكّانها أربعة ملايين نسمة تنتج مثل ذاك الفريق هي دولة محترَمة في حالَي الجدّ واللعب..
كرة القدم لعبة ولكنّها صارت مجالا لصراعات وتحالفات وخصومات وعلاقات واسعة.. صارت هذه اللعبة الكونية مدرسة للديبلوماسية ومدخلا للاقتصاد وإطارا لترويج القيم والسياسات.. غير أن حضور العرب المخجل في هذه اللعبة لا تخفى دلالاته.. رغم الصياح والنباح والأموال الطائلة والعنتريات الفارغة.. فلا الدولة الكبرى أحسنت ولا الدولة الوسطى أجادت ولا الدولة الصغرى أفات.. نحن دُوَل شتّى لا تنافس بيننا إلّا على إضحاك الأمم الأخرى من جهلنا وهواننا وخسوفنا وكسوفنا.. في الجدّ وفي اللعب…
حضرت كرواتيا بفريقها المتكامل فأبدعت.. وحضرت برئيستها الجميلة فأقنعت..
أمّا نحن فشعوب أنجزت في حياتها جملة ثورية ولكنّها نكصت على أعقابها وأفسدت نصًّا شرعت في كتابته على صفحة التاريخ.. فريقنا الفاعل الوحيد هو ذاك الذي تولّى أمر التخريب.. تخريب بيوتنا بأيدينا بين عسكر مجرمين وإرهابيين قتلة.. لمّا ثرنا دخلنا حروبا أهلية لم نتجاوز فيها ميراثنا من داحس والغبراء.. وانقلبنا على ثورتنا رافعين حذاء عسكريا فوق الرؤوس النائمة في مصر المحروسة.. وأسلمنا قيادنا لغلمان وصبية مراهقين يجرّبون فينا ما تبقّى لديهم من فصول العبث الصبيانيّ في بعض الصحراء العربية.. وحتّى في الدولة الناجية وضعنا على رؤوسنا حاكما يعدّ حقائبه لرحلته الآخرة.. يعجز عن أن يحاكيَ رئيسة كرواتيا تقف تحت المطر تنعش فريقها ببسمة رُسمت على وجهها الصبوح وتتعدّى بها لترويَ شعوبا عجزت أن تلد مثل بهائها…
هؤلاء القوم سبقونا في الجدّ وفي اللعب.. وراضوا التاريخ حتّى خصّهم بالإبتسام…