محمد بن رجب
لا تشبّهوا عمل المناضل الطاهر الحداد
باعضاء لجنة الرئيس للحريات والمساواة
رجاء لا تشبهوا اعضاء لجنة الرئيس للحريات والمساواة بالطاهر الحداد.
الراحل الطاهر الحداد مناضل حقيقي وهو زيتوني الثقافة والتعليم لا يتقن إلا العربية وحرمه الله من تعليم عصري متقدم ومع ذلك تفتح على ثقافة متنوعة متنورة وتبنى النضال النقابي وساند محمد علي الحامي وكتب ما كتب دون أن يطلب منه أحد شيئا ونشر كتابه ولا أحد ساعده ولم يناقش مسألة حرية المرأة بمناقشة القرآن ولم يكن بحثه من خارج الإسلام بل تفرغ في كتابه لمناقشة أهل الشريعة من الفقهاء وأصحاب المذاهب والسياسيبن الذين يرفضون التقدم بالمرأة جهلا أو إقتناعا.. هؤلاء هم الذين رأى مبكرا أنهم كبلوا المرأة بما لم ينزل به القرآن…
وإثر نشر الكتاب ثارت ثائرة الشيوخ في جامع الزيتونة وحرموه من شهادته العلمية بعد عدة أشهر من السباب والشتائم والإتهامات من كل لون أقلها التكفير والزندقة بل حتى أهل السياسة من الحزب الدستوري الجديد مثل بورقيبة ومحمود الماطري رفضوا ما جاء به الطاهر الحداد لا لأنه يرغب في تحرير المرأة بل لأن البلاد في حاجة إلى التخلص من الإستعمار الفرنسي قبل كل شيئ ثم بعد الإستقلال يتم التفرغ لمسألة حرية المرأة..
وفي هذا يمكن أن نقرأ ما كتبه محمود الماطري بالفرنسبة إثر صدور كتاب الطاهر الحداد.. فقد رفض محمود الماطري الكثير من الأفكار التي عرضها الطاهر الحداد في كتابه إمرأتنا في الشريعة والمجتع…
ومات الطاهر الحداد مقهورا وفقيرا.. بعد أن عانى طويلا مما لاقاه من الشيوخ والمجتمع والصحافة والأحزاب.
نعم كان مناضلا يكفي أنه زيتوني ومع ذلك رفض الفكر المتحجر وناقشه بشدة وذكاء.. وأخرج كتابا عن المرأة في الشريعة والمجتمع لا يمكن أن لا يكون إلا من أهم ما نشر المفكرون العرب في النصف الأول من القرن العشرين.. ونضاله كان فاعلا لأنه حرك الهمم النائمة ومؤثرا في الكثير من أصحاب المصالح الذين أبدا لا يسلمون في أي مصلحة من مصالحهم وخاصة منها الهيمنة على النفوس كذبا وبهتانا مستغلين الجهل المطبق على المجتمع..
ودفع الطاهر الحداد ثمن نضاله من أجل تطوير المرأة غاليا… دفعه حياته بعد عذاب طويل… وقد توفي قهرا في السادسة والثلاثين من عمره أي أنه بدأ نضاله في عز شبابه ولم يتمتع بهذا الشباب إذ إثر صدور كتابه ناله ما ناله من العذاب والتهميش والسباب والشنائم إلى درجة أنه إذا ما دخل المقهى يخرج منه الجالسون.. لإجباره على البقاء في بيته.. والموت ببطء لأنهم لا يقبلون بتحرير المرأة ولا تعليمها…
في حين أن أعضاء اللجنة الرئاسية للحريات والمساواة ليسوا مناضلين وإن أدعوا ذلك إعلاميا منذ أربعين سنة وأكثر…
هم مجموعة باحثين ومثقفين ومحامين وجامعيين أصحاب رؤى تقدمية هذا لا شك فيه، أعمارهم تتجاوز الستين وتبلغ ما بعد الثمانين اختارهم رئيس البلاد أعضاء للجنة أطلق عليها إسم لجنة الحريات والمساواة وطلب منهم أن يشتغلوا على جملة من الأفكار والمقترحات كان قد عبر عنها قبل إنتخابه رئيسا تخص المساواة في الميراث.. ومن هذه المسألة توسع الإهتمام بالمساواة في كل المجالات مع التركيز على الحريات الفردية وكل ذلك من خارج المنظومة الدينية.
يعني أن الجماعة مكلفة بمهمة..
وما فعلوا غير إقتراح تفاصيل توضيحية أو تحليلية أو إضافية عن أفكار إصلاحية يرغب في تطبيقها الرئيس الذي أراد أن يحدث تغييرا كبيرا في مجلة الأحوال الشخصية التي شرعها بورقيبة إنطلاقا من نصوص واضحة كتبها الشيخ جعيط رحمه الله. فالباجي يتشبه ببورقيبة في كل شيئ.. وسعى إلى أن يتجاوز بورقيبة في ما لم يقدر على فرضه من خلال مجلة الأحوال الشخصية خاصة فيما يتعلق بالمساواة في الميراث وهو الموضوع الذي حاول بورقيبة فيما بعد الإستقلال بسنوات عديدة بإلحاح من زوجته وسيلة بن عمار إعادته إلى السطح من خلال قانون يعرض على البرلمان…
ثم إني لا أعتقد أنهم قاموا بهذه المهمة مجانا وعن طواعية. بل من المؤكد أن المكافئات ستكون مجزية.. هذا إن لم يكونوا قد حصلوا على حقوقهم المادية عن العمل الذي قاموا به إلى حد الآن…
لذا لا يوجد أي وجه مقارنة بين المناضل المصلح الطاهر الحداد الزيتوني الذي انطلق فدائيا في مجتمع متخلف كان يمكن أن يغتاله.. ومات فعلا تحت تأثير الضغوط النفسية العالية التي تجرعها لحظة بلحظة إلى أن توقف قلبه المعذب..
أما أعضاء هذه الجماعة فإنهم لم يجتمعوا بالصدفة على فكر معين إتفقوا عليه لإشاعته أو مشروع حزب أرادوا بثه في صفوف الشعب ولم يجمعهم برنامج تلقائي لمنظمة إجتماعية أو سياسية أعدوا لها العدة لتكون سندا لأفكارهم… بل هم جماعة تمت دعوتهم من أجل عمل ما اقترحه الرئيس وتم تكليفهم بمهمة في مجتمع مهما قيل عنه هو مجتمع يتمتع بنصيب كبير من التعليم والثقافة والعلوم مع التمتع بنصيب وافر من الحريات والحماية الأمنية والسياسية وظروفه المادية لا تقارن على الإطلاق بالظروف السوداء التي ظهر فيها الطاهر الحداد… كما أنهم مدعومون من الخارج الذي يتابع كل كبيرة وصغيرة في تونس بل إن «الخارج» قد يكون صانع بعض تحركات من هذا القبيل.
فكيف نصف هذه الجماعة المترفهة فكرا ومادة ودعما برجل مناضل كم تعب.. وكم ناضل وتعذب من أجل أن يوصل فكره الذي إستنبطه وابتكره لإعلاء شأن تونس وشأن المرأة في وسط متعب زاخر بالجهل.. مع قيود زيتونية لا علاقة لها بالعلم والدين إنما هي قيود لا أنزل الله بها من سلطان تحافظ على مكاسب المهيمنين على جامع الزيتونة..
هو ناضل في أجواء سوداء.. وهذه الجماعة تعمل ضمن مهمة معينة في أجواء محفوفة بالريش والقطن..؟!!!
ولذا لا تقوموا بهذه المقارنة.. إنها تفسد تاريخنا.. وتفسد روح النضال الحقيقي..