حسن الصغير
سأحكي لكم اليوم قصة واقعية نصفها محزن ونصفها الآخر باعث للسرور ولكل منكم أن يختار النصف الذي يراه مناسبا له.
حدثنا معلم من الأقارب في مدينة قفصة فقال “كنت أراقب اختبار الرياضيات في مناظرة السيزيام (السادسة ابتدائي) بإحدى أعرق مدارس قفصة، وكنت أمر بين الحين والآخر بين الصفوف وألاحظ ما كتب التلاميذ على أوراق الاختبار فلاحظت أن جزءا منهم لم يكتب أي حرف بسبب صدمة التمرين الأول الذي يبدو أن أغلبهم لم يستوعبه، والجزء الآخر سلك طريقا خطأ في الإجابة باستثناء تلميذة وحيدة في كل الفصل انطلقت في إجابات صحيحة ومسترسلة في الاختبار.
وبعد مضي نصف الوقت تقريبا لم يتغير شيء وتعطل الجميع تقريبا باستثناء تلك التلميذة التي تواصل طريقها بثبات وثقة غريبة في النفس.
أثارت تلك الفتاة فضولي خاصة عندما لاحظت أن اسمها على ورقة الامتحان غريب نوعا ما عن أسماء الإناث المعتادة في بلدنا وخمنت إما أنها أجنبية أو أن والدها قضى فترة من حياته خارج البلد وتأثر ببلد مهجره حتى في تسمية أبنائه.. وفي نهاية الحصة وعندما كنت آخذ منها ورقة الاختبار سألتها من أي مدينة أنت؟ فأجابت بأنها لاجئة سورية من مدينة إدلب فرت مع أسرتها بسبب الحرب واستقر بها المقام في قفصة والتحقت بإحدى مدارسها العامة المجانية قبل نحو سنتين”.
إلى هنا تنتهي حكاية المعلم ولنبدأ بالجزء المفرح من القصة وهي أن هذه الزهرة السورية الصغيرة تحدت كل قوانين علم النفس والبيئة والجغرافيا وعوض أن يدفعها التشرد واللجوء والفقر والحنين للوطن إلى الانهيار وربما الانتحار دفعها إلى المثابرة والتميز لتتفوق على أقرانها رغم قلة خبرتها بلهجة البلد وثقافته وبرامجه الدراسية.
وأما الجانب المحزن في القصة فهو أن فصلا كاملا من تلاميذ السنة السادسة لم يستطيعوا الإجابة على اختبار من المفروض أنهم درسوه خلال البرنامج والأكيد أن أحوال جميعهم المادية والنفسية والاجتماعية أفضل من فتاة إدلب.
وحتى أولياؤهم أنحوا باللائمة على وزارة التربية لأنها وضعت امتحانا عسيرا على أبنائهم المدللين وفيهم من كتب عرائض ضد الاختبار والوزارة، ولو كنت مكانهم لتركت الوزارة وشأنها وذهبت أبحث عن الحل لدى زهرة إدلب!!!