هل دخلنا الصمت ؟ ليس بعد
ليلى حاج عمر
الكلام الذي يقال في خضم الحملات عادي. فقط نحتاج وقتا لنتحرّر من لغة الاستبداد. من التسلّط. من لغة الفرض والإجبار. من الغوغاء. من بعض الرداءة.
كم كنا نحتاج تعميق الحوار حول المسائل الجوهرية وترك الهوامش. مجلّة الجماعات المحلية مثلا لندرك انتقالنا من المواطنة إلى المواطنة التشاركية. هذا هام جدّا لإحداث نقلة في الوعي المواطني. لكنّنا انشغلنا بالحروب الشخصية.
في رأيي وأظن ولست واثقة: المشاركة في التصويت ضرورية. لنسع ما استطعنا أولا إلى إبعاد كلّ من تفوح منه رائحة الفساد والاستبداد. من يسعون إلى توريث أبنائهم البلديات من المنظومة القديمة. من مازالوا يبتزون المفقرين في الحملات ويدخلونهم طيّ النسيان بعد الانتخابات. من لا همّ مواطني لهم أسرى الحسابات الشخصية وأسرى الوثوقيات. بعد ذلك لنتخاصم ما شئنا داخل المجالس المحلية حول الطرقات والنظافة وبناء المعاهد والمستشفيات وحول الثقافة. كم نحتاج أن تصبح الثقافة هواء نتنفسه خارج الأسوار والجدران. المواطن المستقيل لن يكون بإمكانه أن يفعل ذلك. قد نشعر ببعض الحرية ونتجاوز حالة الاغتراب وقد نفتكّ حقوقا كثيرة ونحن نحاسب مجلسا بلديّا على معهد مخرّب يدرس فيه أبناء المنطقة ونراقب متابعته للموضوع، أو على مستشفى (إن وجد) لا يوفّر سوى الموت السريع.
لعلّنا لم نجرّب بعد كيف نكون مواطنين فنحن لم نكن ومازلنا نسير نحو الكينونة.
المقاطعة التي أجدها جلّها لأسباب شخصيّة (وتعود في أغلبها إلى حسابات ذاتية وأحيانا إلى عداوات قديمة أو جديدة بل كراهية أحيانا، باستثناء من أعرف وأثق بهم وأحترمهم جدا) أجدها في رأيي ولست واثقة موقفا لا مبرّر له. فإن كنّا نعيش الخراب فهذا معطى آخر لأحرص على البناء. لبنة لبنة. الثورة لا تأتي نتائجها دفعة واحدة. لها ارتداداتها وانزلاقاتها ولها معاركها التي يتطوّر ويتراكم الوعي بفضلها وتتغيّر اللغة والمفاهيم. والانتخابات هي من بين هذه المعارك. مربّع أدخله كي لا يحلتّه الفساد ويعشّش فيه وعلى الأقلّ كي لا يحتلّه الأسوأ في حين كان بإمكاني اختيار الأقل سوءا. (السيء والأسوأ على منوال حكاية السمكات الثلاثة في كليلة ودمنة: الكيّسة والأكيس منها والعاجزة. نحتاج قراءة كتاب كليلة ودمنة من جديد في ضوء الانتخابات. سأنتخب من قرأ الكتاب 🙂 )
التعميم ليس علميّا والقول بأنّ المشاركة في الانتخابات هي مشاركة في الزيف والتزوير قول ولّى زمانه لكنّه قد يتحقّق في صورة المقاطعة. لست الآن حرّ وحرّ وحرّ. ولكنّك حرّ فقط. ومن هذا المربع الصغير قد تصير حرّا وحرّا.. في يوم ما.
أظنّ وأنا شبه واثقة أنّ الثورة هي تغيير يوميّ لحياتنا في كلّ أبعادها عبر التنازع المستمر والدائم مع قوى الجذب إلى الوراء. وأوّل مظاهر التغيير أن نكفّ عن ادّعاءاتنا بامتلاك اليقين والإصغاء إلى الآخر علّنا نجد المشترك بيننا وأن نحقّق متعة العيش المشترك.
لعلّ الانتخاب يكون أحد أدواتنا لافتكاك طيب العيش من الفاسدين والناهبين الذين لا يشبعون.
فمن يكون السمكة الأكيس؟