عايدة بن كريّم
قرأت المقال الذي كتبه سالم لبيض (أستاذ علم الاجتماع السياسي بالجامعة التونسية ووزير تربية سابق ورئيس الكتلة الديمقراطية بالبرلمان عن حركة الشعب)… الذي نُشر بمجلة العربي الجديد. بتاريخ 25 أفريل 2018.
لمّا قرأت المقال لم أستحضر صفة “أكاديمي” لأنّ المقال لم يُنشر في مجلة علمية أو أكاديمية فهو موجّه للعموم مع التزامه ببنية النص العلمي واللغة العربية السليمة، ولم أستحضر صفة “وزيرا للتربية” لأنّ المقال لا يُعالج إشكالية تتعلّق بمنظومة التعليم…
في السياق الذي كتب ونشر فيه المقال لا يُمكن ان نُحمّله نقدا وقراءة وتأويلا أكثر مما يتحمّله ولا نطلب الحياد والموضوعية العلمية ونحن في سياق سياسي وليس أكاديمي ولا أرى أي مُبرّر للحملة التي شنّها بعض الأصدقاء على سالم لبيض. واستحضار تاريخه العلمي والأكاديمي والتذكير بأنه توزّر بفضل النهضة…
سالم لبيض كتب مقاله (الصحفي) في سياق سياسي محدّد بصفته رئيسا لكتلة برلمانية له خلفية عرويبة وموقف سياسي وأديولوجي من حركة النهضة وله أيضا تصوّرا للمشهد السياسي الحالي في تونس مبنيا على مرجعيته الفكرية وهو قدّم رؤيته (أو رؤية من يُمثلهم) من زاوية مُحدّدة (رئيس كتلة مُعارضة) مُعبّرا عن مخاوفه (المشروعة) من مآلات مُدخلات الحكم المحلّي ومن تأثير حركة النهضة بصفتها الفاعل الرئيس في طبيعة المدخلات وفي صيرورة صناعة القانون المنظّم للممارسة الانتخابية (وهذا واقع). وقام باستدعاء بعض التجارب المُقارنة (تجربة الجزائر ومصر وتجربة 1989) من أجل البرهنة على صوابية ما يستشرفه من مآلات. وهذا أمر معمول به في علم الاجتماع وفي الأنثربولوجيا.
قرأت ما كتبه أحمد عبد النبي وما كتب مصدق الجليدي وأحترم رأيهما وفيه الكثير من الصواب والمعقولية وقد حاول كلاهما من وجهة نظره كشف ما يُخفي الكلام من كلام يتضمّن التخويف والتشكيك حيث يقول سالم لبيض “فإن فوز الإسلاميين ينفتح على مثل تلك الاحتمالات المأساوية القابلة للتكرار والمعاودة”… وما أتاه الصديقان يتنزّل في سياق “حقّ الردّ” والنقاش والتفاعل الإيجابي وكذلك في سياق المحاججة المبنية على مُقارعة حجة بحجة مُضادة.
وأنا أيضا لم يرق لي استعمال سالم لبيض بعض المفردات (شراهة حركة النهضة الإسلامية تجاه السلطة… لم تشبعها…) التي تعكس موقف مُتشنّجا أكثر من اللازم من الإسلاميين فهو يحمّل الإسلاميين وحدهم مسئولية مآلات انتخابات 1989 “التعطيل الكامل لديناميكية المجتمع سياسيا، وحرمان التونسيين من حقهم في الديمقراطية والتداول السلمي على السلطة وقمع كل مكونات المجتمعين، السياسي والمدني، وقيام الدولة الأمنية والعائلية، مطلقة الصلاحيات والمهام والوظائف”. وهو كذلك موضوع بحاجة للتنسيب. لأنّ المسئولية مُشتركة…
كما انّ سالم لبيض في نقده لتجربة الترويكا (الذي كان هو أحد وزرائها) والتي سمّاها “بتجربة حكم الإسلاميين” اعتبر أنّ “من نتائجها المأساوية اغتيال الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي”… وهذه مخاتلة ومغالطة لأنّ تجربة الترويكا لم تكن تجربة حكم الإسلاميين والدليل على ذلك وجوده في أهمّ وزارة وهي وزارة التربية…
•••
وقرأت ما كتبه بعض الأصدقاء من مواقف انطباعية ومُنفعلة ومؤدلجة أكثر من اللازم. (بعضهم نفهم من تعليقه أنه لم يطلع على المقال)…
لسنا في “جامع” نحن في بطحاء سياسية يتصارع فيها فاعلون (متباينة مشاربهم ومرجعياتهم) حول مواقع وموارد (رأسمال رمزي ومادي)… هم يستعملون استراتيجيات مبنية على رهانات… وكلّ طرف ورهاناته وكلّ قدير وقدره… وكلّ مُيسّر لما سُخّر له.