حملة انتخابيّة في أجواء مخيّبة للآمال

صالح التيزاوي
كان من المؤمّل أن تحظى الإنتخابات المحلّيّة باهتمام واسع من الشّعب التّونسي لأنّها أوّل انتخابات تعدّديّة في تاريخ تونس، ولانّها من النّاحية النّظريّة على الأقل ستؤسّس للحكم المحلّي. غير أنّ المتابع للأجواء الإنتخابيّة يلاحظ عدم اكتراث يصل إلى حدّ العزوف لدى الرّاي العامّ. فما هي الأسباب والتّداعيات ؟
يبدو أنّ عجز الحكومات المتعاقبة عن تحقيق التّنمية وعجزها في مواجهة المشكلات الكبرى مثل التّشغيل وغلاء المعيشة وارتفاع المديونيّة وفشل الحكومة الحاليّة في حربها المزعومة على الفساد مع غياب الأمل في تجاوز تلك المشكلات جعلت فئات واسعة من المواطنين غير المتحزّبين لا ينخىرطون في الأجواء الإنتخابيّة حتّى من باب المتابعة. وسط هذه الأجواء القاتمة زادت أزمة التّعليم الثّانوي الوضع تعقيدا وعزوفا أكبر.
أكثر من تسعين ألف أستاذ (ومعهم عائلاتهم) منشغلون بتحرّكاتهم وبمطالبهم التي قابلتها الحكومة بإهمال محيّر ومريب (لا تبرّره مزاعم ضعف الموارد) لأنّ الحكومة رضخت لقطاعات أخرى وأقرت لها زيادات ومنحا ومحفّزات معتبرة. ويبدو أنّ الحكومة منشغلة بتلبية طلبات البنك الدّولي أكثر من التّفاعل الإيجابي مع مواطنيها ممّا يعني أنّها انخرطت في سياسات لا شعبيّة: التّفويت في بعض المؤسّسات العموميّة، الزّيادة في اسعار المحروقات، عدم الجدّيّة في مكافحة التّهرّب الضّريبي، عدم الجدّيّة في مواجهة التّهريب والفساد والإقتصاد الموازي، استمرار العلاقات الزّبونيّة. أكثر من مليون تلميذ وطالب ومعهم عائلاتهم يعيشون وضعا مقلقا: قطاع من الطّلبة لم يجتازوا الإمتحانات بسبب إضراب الأساتذة. وأمّا تلاميذ المرحلة النّهائيّة من السّنوات الثّالثة والرّابعة ثانوي ممّن لهم حقّ التّصويت فسؤالهم الأساسي: هل ستكون سنة بيضاء؟
لا أعتقد أنّ هؤلاء جميعا في وضع نفسي مريح يسمح لهم بمتابعة حملات الأحزاب الإنتخابيّة فضلا عن المشاركة فيها. وإذا أضفنا إلى هؤلاء جميعا العاطلين عن العمل وخاصّة الفئات الفقيرة المتضرّرة من غلاء الأسعار. لم يبق من المهتمّين والمتابعين والمعنيين بالإنتخابات إلًا المتحزّبين. فهل خطّطت الأحزاب الحاكمة لهذه الأجواء السّلبيّة؟ وهل تعمّدت مراكمة الأزمات والدّفع بها نحو مزيد من التّعفين كما هو الحال في أزمة التّعليم الثّانوي لإلهاء الرّاي العام عن فشلها ؟ أليس من العبث أن تنفق الدّولة آلاف المليارات على إنتخابات لا تحظى في نهاية المطاف بمشاركة شعبيّة واسعة؟

Exit mobile version