لا يعجبني ما يحدث
ليلى حاج عمر
أنا أستاذة مضربة ولا يعجبني ما يحدث ولي حقّ النقد الذي يريد البعض حرماننا منه. بعد انتهاء المفاوضات سنتحدّث.
لا تعجبني موائد الأكل والأطعمة المعروضة. حتّى في الملاحم الكبرى يظلّ البطل واقفا حتّى النهاية وهو يصارع “قوى الشرّ” ولا ينشغل بالاحتفال المسبق بالانتصار. بل يترك الآخرين يشيدون بما يفعل ويرونه بطلا.
هل سيرانا الآخرون أبطالا؟ لننتظر النهاية. البطولة عندي تتحقّق في حالة واحدة هي إنقاذ التعليم العمومي من الغرق في سياق رأسمالي متوحش. أن يظلّ التعليم العمومي هو الأصل على الأقل من أجل هؤلاء الذين يأتون عزّلا للدراسة.
قاعات الأساتذة يفترض أن تتحوّل إلى ورشات للتفكير والنّقد والتحليل (أقول جيّدا النقد. أعلم أنّ البعض تزعجه العبارة لذا سيقوم بالتقاط النص. له ذلك. قلت كلامي هذا في قاعة الأساتذة).
قاعات الأساتذة يفترض أن تتحوّل إلى مختبرات لصنع القرار وإيجاد الحلول من الداخل ولمراجعة الأخطاء. يفترض أن تتوضّح السياقات للأستاذ. أن تعالج بعمق قضيّة التعليم العمومي. أن يتم وضع استراتيجيا واضحة. يفترض أن يشكّل الأساتذة قوّة مقترح لا أن يقوموا بممارسات غريبة عن قطاع الأساتذة.
الـآخر المتربص بالتعليم ليس سهلا. إنّه يمتلك رؤية واستراتيجيا وسلاحا هو الإعلام. في المقابل نعدّ موائد الأكل. هذه استراتيجيتنا الوحيدة. وننتظر.
في زمن سابق وحين يتزامن إضراب القطاع مع انتفاضة فلسطينية كانت القاعات تتحول إلى مجال واسع لدعم القضية الفلسطينية وحركات التحرّر. اليوم ضيّعنا البوصلة وغرقنا في “الطائفية” التي قد تحقق مكاسب لكنها تفرغ القطاع من جانب شكّل رصيدا تاريخيا مهما له.
الأولياء والتلاميذ ليسوا أعداءنا ولو وضعنا استراتيجيا تواصل معهم بعيدا عن الثلب المتبادل لكسبنا جزءا من الرأي العام.
قلق الريح
من يعتقد أنّ الأستاذ مرتاح للوضع الذي يمرّ به فهو مخطئ. يمرّ الأساتذة بحالة قلق كبرى قد تفوق قلق الأولياء والتلاميذ. أحد الزملاء قال لي اليوم: “أشعر أنّه سيحدث لي أمر ما من فرط التوتّر”. لعلّه العام الأسوأ في تاريخنا المهني. فلم يسبق أن تمّ تجاهل الأساتذة بهذه الطريقة. تجاهل يشي بحقيقة النظرة إلى الأستاذ والتعليم العمومي. نظرة تمت صناعتها على مدى عقود منذ أن بدأ العبث بالتعليم لإرضاء الرّأي العام وللتغطية على الخوصصة التي بدأت آنذاك زحفها ولخدمة سلطة آخر همّها صناعة المعرفة.
ليس بطولة أن نقول أنّنا ندرّس في أوضاع مهينة وأنّنا رغم ذلك ندرّس. ليس بطولة أن نقول أنّ الكثير يشتغل في العطل في المعاهد دون مقابل لإنهاء البرنامج خاصّة لتلامذة الباكالوريا كي ينام ليلا مطمئنا. ليس بطولة أن نقول أنّنا نرى في نجاحات التلاميذ انتصارا لنا حتى في ظلّ الجحود. ليس بطولة أن نقول أنّنا نتحمّل أقساما مكتظّة تضمّ تلاميذ قد لا يتحمّلهم أولياؤهم ومع ذلك نتحمّل. ليس بطولة أن ندافع عن حقّ التلميذ في أن يدرس في فضاءات تليق به. أولياء تلامذتي لا يعلمون أنّ أبناءهم يدرسون في قسم يقطر سقفه وفي الربيع تغطّي جدرانه الفطريّات ممّا يثير حساسيات كثيرة لديّ والديهم. وهم لا يعلمون أنّ أبناءهم يروون لنا كلّ شيء حتّى معاناة أوليائهم من قلّة قليلة في التعليم تمارس الابتزاز وترجّ بذلك صورة الأستاذ. كلّ هذا ليس بطولة. لسنا أبطالا بل نسعى لأن نكون الإنسان. لذلك فقلقنا على أبنائهم قد يفوق قلقهم. ولسنا أعداء كي نتقاتل بل نحتاج أن نتشارك في إيجاد الحلول من أجل تعليم نريده فضاء مريحا ممتعا لبناء العقل والرّوح.
أتا قلقة. قلقة كثيرا رغم أنّ أبنائي تجاوزوا الثانوي. إنّه قلق الروح التي لا تطمئنّ لما يحدث. قلق الريح التي تأخذنا وتردّنا فلا نحن نقيم ولا نحن نزول.
زميل آخر قال لي البارحة: لم أنم البارحة وأنا أفكّر في الإضراب المفتوح.
الأساتذة ليسوا أعداءكم. إنّهم يحملون في جوانحهم شوقا إلى إشراقة العقل والروح هنا. الكثير منهم يفكّرون وينقدون المسار ويقفون عند الأخطاء ويصدعون بالحقّ ولا تقودهم سوى حريّة الضمير.
ولكنّهم لا يرضون بالذلّة. ولا يرضون بموتهم معنويّا. ولا يرضون بتبخيس حقّهم.
سنظلّ نعيش قلق الريح مادمنا في بلد لا يراهن على عقول أبنائه.