زهير إسماعيل
أو حرب المنتصرين على الشعب السوري الشهيد
هو عدوان ثلاثي على سوريا المحتلة، سوريا الأرض والشعب رغم ادّٰعاء منفّٰذيه أنّه لـ”ردع بشّار عن استعمال السلاح الكيمياوي”. ويأتي هذا العدوان في إطار حرب نسميها حرب المنتصرين على الشعب السوري المحتلّٰ وثورته المغدورة.
1. من هم المنتصرون على الشعب السوري؟
هم كل من ناهض حق الشعب السوري في الحرية والعيش الكريم، وعلى رأسهم الكيان الصهيوني والولايات المتحدة.
وقد كانت ثورته تعبيرا من تعبيرات ثورة المجال العربي. ومن ناهض هذه الثورة في سورية، تحت أية ذريعة، يجد صعوبة في أن يكون معها في تونس ومصر وغيرهما… هي حقيقة لا تتجزّأ.
في البدء كانت ثورة الشعب السوري، والذين ناهضوها، بعد نظام بشّٰار، هم الكيان الصهيوني والولايات المتحدة وإيران (التقتا في العراق على دك بغداد وإسقاط النظام ومحاربة ما انبثق من جماعات تكفيرية)، وروسيا (استُنجد بها عندما ترنّٰح النظام رغم دعم إيران وميليشياتها اللبنانية والعراقية)، والولايات المتحدة (دورها الأساسي كان حماية الكيان الصهيوني ومنع رجحان كفة الصراع لأية جهة). ولا معنى للحديث عن اللواحق والزوائد من نظام الاستبداد العربي من دول الخليج ومصر السيسي. وقد نجح هؤلاء “المنتصرون” من خلال إفساح المجال للجماعات التكفيرية، في تحويل عنوان من “ثورة على نظام فاشي” إلى “حرب على الإرهاب”. فغطّى مسار الحرب على مسار الثورة، ويعملون على أن يكون الخروج من مسار الحرب إلى الحلّ السياسي طيّا لمطلب الحرية والكرامة.
2. من هم المحتلّون اليوم ؟
هم أنفسهم المنتصرون على الشعب السوري وثورته، وينضاف إليهم الأتراك، وكل من هؤلاء يحتلّ مساحة من الأرض السورية، وينقسمون إلى محتلّ قديم (الكيان الصهيوني ونظام بشّار) ومحتل جديد (روسيا، إيران، الولايات المتحدة تركيا). فجيوشهم متجاورة على الأرض السورية.
والمعتدون، يكذبون فلم يكن تدخلهم بسبب استعمال نظام بشار للسلاح الكيمياوي، فقد استعمله ضد شعبه عشرات المرات، ثم إنّه من الْخِزْي أن نفرّٰق بين القتل بالكيمياوي والقتل بالبراميل والقصف الصاروخي بالطائرات والراجمات من قبل النظام والروس وإيران وميليشياتها.
هم يعلمون أنّٰ ثلث الشعب السوري مهجّر، وقُتل منه أكثر من نصف مليون، واعتُقل أكثر من مائتي ألف، وتجري عملية تغيير ديمغرافي واسعة على الأرض، وهذه كلها جرائم حرب، فلماذا يخصّ السلاح الكيمياوي. والسبب هو أنّٰ أمريكا وحلفاءها والغون في الدم السوري، وقبله الدم العراقي (اشتركوا مع إيران في تدمير العراق وتنصيب بريمر والحكم على صدام بالإعدام وتنفيذ الحكم عن طريق ميليشيات الصدر الطائفية).
3. أهداف العدوان
لهذا العدوان هدفان:
أ. هدف سياسي: دفع الحل السياسي المنتظر نحو “صيغة جينيف 1″، لتجنّب “صيغة سوتشي” التي تريدها روسيا ويدعمها تغير ميزان القوى في الميدان لصالح النظام والحل الروسي الذي سيتجاوز سعي تركيا المهزوز نحو “صيغة أستانا”.
ب. هدف عسكري: محاصرة الوجود العسكري الإيراني، فإيران تسابق الوقت لتركيز وجودها العسكري (بناء قواعد ضخمة)، وإسرائيل والأمريكان وحلفاؤهم الغربيين (فرنسا وبريطانيا) يعملون على عزل إيران وإخراجها من سوريا. وسيكون الروس هم المتحكمون بمستقبل العلاقة في سوريا المحتلّة. فهم من تحكم، كما يجمع الخبراء، في قصف ليلة البارحة نتيجة تنسيقهم مع الأمريكان.
نحن بإزاء صراع نفوذ على المجال العربي ضعيف الصلة بمعارك التحرير، وكان لثورة المجال العربي دور في تأجيجه، فقد التقى المتصارعون على وأد مطلب الحرية والكرامة، واليوم يتصارعون على أنقاض ما دمروا.
وقد تتوسع المواجهة بين المحتلين لسوريا إلى حرب واسعة من الصعب تبين مداها ومآلاتها،
ويبقى دور بوتين لغزا… وهو عندنا أقرب إلى أن يكون “أداة” غربية كان لها دور في منع نظام بشار من السقوط رغم تدخل إيران، ويمثّٰل “سدًّا غربيا” في تسرّب الشرق (يأجوج ومأجوج: الصين) إلى المجال العربي ومياه المتوسط، وهو تسرب تكنولوجي اقتصادي مالي إذا تمكّن سيغيّر وجه العالم.
وفي كل الأحوال الشعوب أبقى ومطلب الحرية والكرامة حداؤها الأزلي.
4. أفق المواجهة
في مركز هذا المشهد صراع إيراني أمريكي له امتداداته في لبنان وفلسطين والعراق واليمن، رغم أنّ السياق السوري معني أكثر بالساحة اللبنانية والعمق الفلسطيني. غير أنّ الوجود الروسي الذي سيتواصل من خلال القواعد العسكرية في طرسوس والحميميم وما أبرم مع النظام من اتفاقيات (49 سنة لقواعد الروس) سيعقّد هذا المشهد، ويذكّر بصراع المصالح.
يوجد تنسيق دائم بين الروس والأمريكان، ويؤكد خبراء عسكريون أنّٰ استعمال الطيران في هذا العدوان، لا يعني استراتيجيا إلا وجود تنسيق بين الأمريكان والروس، غايته تجنّب أهداف روسية، والطيران هو السلاح الأكثر دقّة لتحقيق هذه الغاية.
وتبقى العلاقة الأمريكية الروسية أحد أهمّ الألغاز، فقد يكتشف الإيرانيون أنّٰهم كانوا في سوريا بين فكّي كماشة. وفي كل الأحوال سيكون الروس “حاجزا” دون اشتباكهم المباشر مع الكيان (نصر الله يصرّ على تخطي هذا الحاجز باعتباره أنّٰ قصف مطار تيفور مواجهة مباشرة بين إيران وإسرائيل).
وينضاف، عنصر آخر مهم إلى جانب الوجود السوري ما تشهده الساحة الفلسطينية، ففي مسيرة العودة الكبرى، وفي سائر التظاهرات في الضفة والـ48، دأب المتظاهرون على رفع راية الثورة السورية، لإدراكهم أن محتل سوريا ومحتل فلسطين واحد وإن اختلفت العناوين.
الحاجز الروسي يمنع المواجهة الإيرانية الأمريكية من التوسّع، والحالة الشعبية الفلسطينية الواعية بالسياق السوري ودور إيران في مأساة الشعب السوري، يحرمان إيران من أن تتحوَّل حربها مع الأمريكان (بل وحربها الممكنة مع الكيان) إلى حرب تحرير. وتبقى حرب مصالح تدور في المجال العربي الممنوع من أن يبني كيانه السياسي الاقتصادي ليبقى، إلى حين، منطقة تدخل وصراع إقليمي ودولي.