عبد الرزاق الحاج مسعود
أي حديث انفعالي عن الأزمة الحالية بين وزارة التربية وحكومة الشاهد من جهة، ونقابة التعليم الثانوي واتحاد الشغل من جهة ثانية، ينتهي بالضرورة إلى مقاربة ناقصة.
إدانة خيار نقابي دون معرفة حيثياته باسم:
• الحرص على مصلحة التلاميذ.
• أو باسم إدانة تهوّر خيار حجب الأعداد وتسرّع النقابة في اتخاذ إجراء نقابي غير مدروس.
• أو باسم تغوّل إتحاد الشغل وتدخّله في الشأن السياسي.
• أو باسم إدانة الطموحات الشخصية للكاتب العام لنقابة الثانوي…
دون الإنتباه إلى السياق السياسي الوطني العامّ، تنتهي إلى انفعالات شخصية بعيدة عن السياسة وتشوّش الوعي وتخدم مصلحة الدافعين نحو ترذيل كل الأطراف وكل المواقف وكل السياسة.
وزير التربية كان خطأ “مقصودا” أو جزئية صغيرة في سياق أهمّ، قَبل به إتحاد الشغل ونقابة الثانوي لأنهما كانا يعرفان ضعف شخصيته وقابليته للتوجيه بسبب ماضيه السياسي الملوّث. لذلك كل تعنت يبديه الوزير الآن ليس من شخصه فهو أقلّ (وإن كان قد بدأ يستلذّ دور العناد مع منظمة في حجم الإتحاد ومع قطاع في حجم الثانوي)، ولا من الشاهد كشخصية سياسية لا طعم لها أيضا، بل من الدوائر التي تراهن على نجاح الشاهد في المهمة الخطيرة التي أوكلت إليه الآن.
الشاهد الواجهة يضغط الآن على الإتحاد بتعفين ملفّ الثانوي لأنه مضطرّ لذلك. فهو لم يسمح له بالبقاء إلا مقابل تعهّده للرئاسة والبنك الدولي بإنفاذ برنامج الخوصصة/الإصلاحات الكبرى الذي يحتاج ليونة كبرى من جانب الإتحاد.
الإتحاد أخطأ حين غامر بالدعوة إلى تحوير وزاري وحتى إلى إقالة الحكومة. وهو فعل ذلك ضمن حسابات خاطئة حيث كان مطمئنا إلى تخلّي النداء والرئاسة عن الشاهد. وحين تصالح الشاهد مع جماعته مقابل التخلي (ولو ظاهريا ووقتيا) عن طموحه الرئاسي والالتزام بإنفاذ برنامج الخوصصة (الذي يعلم أنه مفتاح مستقبله السياسي) وجد الإتحاد نفسه في “تسلّل” محرج لم يتوقّعه، وهو مضطرّ إلى التراجع عن تصعيد “سياسي” غير مدروس مع الحكومة في غياب بدائل متاحة (الإنتخابات السابقة لأوانها وتأجيل الإستحقاق البلدي، أو تعويض حكومة الشاهد بحكومة تكنوقراط تلتزم بتأجيل المضيّ في “الإصلاحات الكبرى” وتشرف على تنظيم المواعيد الإنتخابية القادمة وتنهي من بين ما قد تنهي أزمة التعليم الثانوي بذهاب الوزير الحالي).
وهو لا يستطيع التخلّي عن نقابة الثانوي التي أحرجته حين اختارت أن تتحرّك في توقيت لم يناسب حسابات التنفيذي الذي لم يمض على قرارات الهيئة الإدارية السابقة.
التنفيذي كان مطمئنا لقدرته على إنقاذ نقابة الثانوي بعد تأديب كاتبها العام “المتهوّر” وغير المسيطر على طموحه المطعون في المؤتمر الأخير. لذلك سمح له بتصعيد أراده محسوبا ووقتيا، فإذا به يخرج عن الحساب الأوّل ليجد التنفيذي في تحرّكات الثانوي الآن فرصة مناسبة توقيتا وحجما للعودة إلى الضغط على حكومة بدأت تفكر في المجازفة بتحجيمه مستغلة حساسية ملف التعليم لدى عامة الشعب.
(قصّولو إيدو جت مليحة للطمبور).
لذلك سيجلسون وسيتفاوضون لأن الحكومة لا تستطيع تحمّل تداعيات انفجار اجتماعي وسياسي لن تستطيع توقّع مداه إن هي أقدمت على معركة شاملة مع الإتحاد الآن.
•••
كلّ هذا حراك مدني ديمقراطي في الحد الأدنى لا يجب أن يوظّف مطلقا لترذيل الحرية الغريبة عن أرضنا ووعينا.
وكلّ انخراط انفعالي في شيطنة العمل النقابي مهما كانت أخطاؤه العابرة هو تجريد للمجتمع من وسائله الدفاعية التي ما زال يحتاجها لحماية مكاسبه القليلة من الحرية والديمقراطية.
العمل النقابي عمل مدني يفتح على السياسة ويحتاج الخوض فيه ممارسة أو نقدا إلى قليل من التفكير المتوازن.

عبد الرزاق الحاج مسعود