حلم المصالحة بين بورقيبة والثعالبي
محمد بن نصر
سؤالي إلى أبي يعرب
أستاذي وصديقي الفيلسوف أبو يعرب المرزوقي، العقل الذي يخشاه أنصاف الفلاسفة وأنصاف الفقهاء واللسان الذي تخشاه المنابر فيتجاهلونه لجهلهم، له حلم قديم لا يريد أن يتخلى عنه ولو انعدمت شروطه. الحلم جميل ومبشر ولكن السياقات ليست هي السياقات وما كان ممكنا ولم يكن حين توفر شروطه لا يمكن أن يكون حين زوالها. إنه حلم المصالحة بين الدستوريين القدامى والدستوريين الجدد، بين بورقيبة والثعالبي.
قلت له يا أبا يعرب لقد أتلف بورقيبة كل القمح وما يقي غير “الكرفة” ومحال أن نجعل منها عجينا. ولكنه يصر ويزداد إصرارا حتى جاء اليوم الذي خذلنا فيه بقية من قمح منسية وعيّنا النكرة المهدي جمعة رئيسا للحكومة بدل أحمد المستيري، فقلت له ألم أقل لك أنك تراهن على وهم قال لي حينها وقد عزم على الإستقالة من الحكومة، سيأتي يومها ولو تأخر. أود اليوم أن أسأله ألم تقتنع بعد أن الجرح لا يخاط على عفن. إن لم يخرجوا العفن ممن يدعون وصلا بالقدبم أو وصلا بالجديد فلا أمل في مصالحة تبنى بمهرولين.
أبو يعرب المرزوقي
أخي وزميلي وصديقي محمد: نعم الجرح لا يخاط على عفن. ولم أكن أبدا ضد شروط الاندمال السوي. لكن تنظيف الجروح يحتاج للنطاسي أو للمهرة من الأطباء وإلا فإن الجروج ستنكأ دون أن تنظف. وهو الخطر الذي يمكن أن تتعرض له تونس. أنت تعلم أن العيش المشترك بين البشر لو كان كل شيء فيه معلوما لاستحال. لو كان كل إنسان على علم بما يفكر فيه غيره لصارت الحياة حربا دائما.
لذلك فعلم الحقيقة مفيد لكن نشرها قبل العلاج الحكيم يضاف إلى مرارة الواقع علقم الحقيقة. فلا شيء أخطر من الحقيقة إذا لم يصحبها الحذر السياسي في علاجها. تحقيق الحقيقة بالعلاج السياسي غير معرفة الحقيقة بالعلاج العلمي. ما أطلبه هو أن نترك للعلماء إن وجد من له أخلاقهم معرفة الحقيقة وأن نترك للساسة إن وجد من يؤمن أن قانونها هو شعرة معاوية عملية تحقيق الممكن من الحقيقة. هذا رأيي ولما كان الشرطان منعدمين فضلت ترك الساحة لغيري.