عقوق البورقيبيين استعملوه في السراء وخانوه في الضراء
أبو يعرب المرزوقي
لم أكن أتصور أن رئيس دولة تجاوز التسعين من عمره قضى جله في أروقة السياسة تصل به السطحية إلى حد التوهم بأن التظاهر باعتبار بورقيبة نموذجه في نحت إسم آفل بالتحديث السلبي والعنيف يمكن أن يجعل الناس تنسى أنه مثل كل الذين يدعون الإنتساب إليه خانوه في أول ضراء حلت به.
كما أني لم أكن أتصور أن من نالوا من ابن علي أقل مما ناله بورقيبة منه يبقون على ضغينة ضده فلا يعترفون له بأنه على الأقل كان ضحية مثلهم ممن خانوا تونس فلم يشفع عندهم رغم أن من يعتبرونهم قدوة لهم تناسوا ما فعله أتاتورك في الإسلاميين أكثر مما فعله بورقيبة فيهم وحافظوا عليه رمزا لتركيا.
فلا مستغلوه من مافية الحكم الحالية وهم أعداؤه استطاعوا التخلص من جعل السياسة عديمة الأخلاق ولا مستغلو الإسلام من مافية المعارضة الحالية وهم مثله في الضراء التي أبانت خيانة بورقيبة من مستغليه استطاعوا العمل بروح الإسلام. لست أدري من أي طينة هي هذه النخبة السياسية المزعومة.
لذلك فلا أعجب أن يكون السياسي في تونس أكثر المؤمنين بصدام الحضارات الداخلي ومن ثم فكلا الصفين يمثل كاريكاتور التأصيل وكاريكاتور التحديث ولا أحد منهما يفكر حقا في المستقبل المشترك للتونسيين فضلا عن المستقبل المشترك للأمة. وليست أعجب من أن يكونوا من توابع الحماة لحاجتهم للفُتات.
وما كنت لأتكلم في الموضوع لو لم ألحظ أن جل المعبرين باسم الكاريكاتورين لا يعملون على ما يحقق اندمال الجروح بل كلهم يحركون فيها سكاكين الخبث والضغينة لئلا يخرج الوطن الصغير والوطن الكبير من سوء التدبير وصدام الحضارات الداخلي الذي بدأ منذ القطيعة بين بورقيبة والثعالبي.
وحتى أختم فإني كنت أتمنى أن يكون المحيون لذكرى بورقيبة من يظنون أعداءه لأن ما ناله من الخيانة والغدر ممن يستغلون إسمه الآن وعلى رأسهم رئيس الدولة الذي لم يحرك أصبعا للدفاع عنه في ضرائه وهو محام ثم يدعي إحياء ذكراه وتقليده قرديا في توهم الثورية بالتدخل في ما لا يعنيه من الدين.
فما ناله من الغدر والظلم والعسف فاق ما حل به خلال نضاله باجتهاده التحديثي على ما فيه من الاستعمار ومن ثم فهو ضحية مثله مثل الإسلاميين. وكان ينبغي أن يكونوا من صفه لأن ما ناله لم يكن لشخصه بل لانتقام أحقر مخلوقات الله منه كما كانوا هم ضحايا هذا الأحقر الذي قد يتكرر.
كان ينبغي أن يكون الاسلاميون مؤمنين بالرحمة لأن الموت يجب ما قبله ولأن نفس المصير في السياسة عند الصادقين يجعلهم إخوة فيجب عداوة الماضي. لكني كنت واثقا من أن نصيحتي وقد سبق أن قدمتها قياسا على سياسة أردوغان مع أتاتورك ستكون صيحة في واد: ذلك هو صدام الحضارات الداخلي.
ولا زلت أعتبر نفسي بورقيبيا رغم أني كنته لما كنت شابا ليس لي علم وقتها بما لو فكرت فيه حينها لكان حكما على النوايا. وأعتقد أن مصلحة البلاد الإلتفات إلى المستقبل وتحقيق شروط اندمال الجروح حتى لا يستفيد من خانوا بورقيبة عندما استخدمهم ابن علي من رمز وطني من الماضي.
وفي الختام فإن جل ما يعاني من الساسة العرب عامة مرضان:
1. اعتبار السياسة أحوال نفس وليست حساب مصالح ذكي يفيد البناء وهذا ما تمنيت أن يتجنبه الإسلاميون.
2. واعتبار الذكاء في السياسة خبثا وغدرا من الحاكمين باسم بورقيبة بعد خيانته في ضرائه وقد تمنيت تجنبه ممن استفادوا من سرائه.