رأيت الزعيم الذي جعل منا بشرا !
الطيب الجوادي
رأيت الزعيم بورقيبة رحمه الله لأول مرّة سنة 1975، وكنت أدرس بيّاتا بالأولى ثانوي [السابعة أساسيا اليوم]، بكولاج القصور من ولاية الكاف،
وأذكر أننا كنا نستكمل حصة العربية حين رنّ جرس الخروج فجأة قبيل انتهاء الحصة، ليطلب منا القيم العام أن نغادر الكولاج جميعا في صفوف منتظمة لاستقبال المجاهد الأكبر وتحيته، وأذكر أنني أصبت بالذهول والتهيّب ورحت أتساءل بحيرة: هل سأرى الزعيم بلحمه ودمه؟ فقد وقر في أذهاننا الصغيرة أن الزعيم ليس بشرا مثلنا إذ هو “يجي بعد ربّي والنبي محمّد” مثلما كان يتداوله الفلاحون السذّج في ريفنا الكافي البعيد، وكان الجميع يؤمن أن بورقيبة مخلوق على حدة يختصر الذكاء والفطنة والدهاء والشجاعة والعلم، وأن تونس ما كانت لتوجد على الخريطة لولاه، وعندما كنت أسأل الوالد بسذاجة: وين كنتو تعيشو قبل ما يجي بورقيبة، مادام هو اللي خلق تونس؟ كان يشيح عني بوجهه وملامحه تشي أنه لا يعرف الجواب!
وقد وقفنا على حافة الطريق نحمل أعلاما صغيرة وننشد بحماس: يحيى بورقيبة، وعندما مرت سيارته المكشوفة أمامي في اتجاه مقر المعتمدية سقط العلم من يدي، وتملكني خشوع غريب، فها أنذا أكحّل عينيّ أخيرا برؤية نصف الإلاه الذي جعل منا بشرا وعلمنا وأطعمنا وكسانا، ولم يفته إلا شيء واحد لم يتفطن إليه قوادة الشّعب: أنه لم ينفخ فينا الروح !