الخمينية والوهابية وجهان لبداية أفول العملة الثيوقراطية الواحدة
أبو يعرب المرزوقي
سأعود إلى المحاولة في «البنية الكونية لكل مقومات الإنسان الوظيفية». لكني الآن أريد بسرعة علاج مسألة محيرة وهي وحدة الخمينية والوهابية بالتعاكس في وظيفتي الديني والسياسي وهي تعاكس يمكن تسميته بنوعي الثيوقراطيا الشيطانية والحمارية في تاريخ البشرية.
وكلتاهما جمعت السلطتين المادية والروحية في السياسي لكنهما فعلاه بالتعاكس. فالشيطاني ضم القوة المادية الفعلية للدولة إلى الخدعة الروحية وخلق بجانبها خدعة سياسية لا سلطان فعلي لها وهي الحكومة التي تبدو ذات شرعية شعبية بالانتخابات التي يتحكم فيها بتعيين المشرحين وبالتزييف عند للزوم.
ولا أستعمل الشيطاني إلى بمعناها الشعبي أي الذكاء الخبيث ويقابلها الحماري. والحماري عمل العكس أبقى على القوة والسلطة المادية بيد ما أخضعه الخميني للخداع الروحي حتى تكون له شرعية شعبية في العقيدة الشيعية وهي شرعية الوسط والوصي وعكس فأفرغ الخداع الروحي من كل سلطة وجعله تابعا ذليلا.
وفي الحقيقة كلاهما قام بنفس العمل وإن بتعاكس: كلاهما أفقد أصل الشرعية السلطة الفعلية وضمنها إلى مافية تحكم باسم الاستعمال المافياوي للدين وللشرعية الشعبية. لكن الخميني غطى هذا التحيل بلعبة الديموقراطية الموزية إزاء جمعه بين السلطة السياسية الفعلية برقعها الديني في ولاية الفقيه.
أما الوهابية فعكست جعلت البرقع الديني في وضعية الخدعة الخمينية الديموقراطية لأنها تعتبر ممثلة للإرادة الشعبية بعد أن صارت مجرد خدعة لأنها في الحقيقة لا حول لها ولا قوة مثلها مثل «ديموقراطية» الخميني. الشيطان جمع بين المذهب والقوة والحمار أخرج المذهب من القوة.
وإذن فستكون غاية الخمينية التحول إلى وهابية لأن السلطان الذي بيد الولي الفقيه ليس تابعا له إلا في البداية وما أن يتمكن سيقلب العلاقة ويجعل الولي الفقيه تابعا له: مافية حرس الثورة هي التي ستحكم مثل مافية النظام السعودي. والديموقراطية لن تبقى موزية لأن الشعب سيسترد سلطانه.
وستكون غاية الوهابية التحول إلى خمينية لأن السلطان الروحي الذي بيد علمائها لن يبقى تابعا للمافية الحاكمة بل هو سيثور عليها وسيكون الشعب معها لأنه ذاق الامرين من المافية الحاكمة وهي بدأت تساعده بذلك بمحاربته ولما كانت لتفعل لو لم تكن قد شعرت ببداية الظاهرة: معنى الحرب الاخوان.
فالإخوان لا يختلفون عن علماء الوهابية الإصلاحيين في شيء لأنهم صاروا مثلهم يؤمنون بأن الإسلام لا يريد حصر دوره في العبادات وتأييد المستبدين والفاسدين من الحكام الأغبياء والأميين. وإذن فالحرب ليست على الإسلام دون تعيين بل على الإسلام الذي بدأ في السعودية يفهم طبيعة الثورة الإسلامية.
لكن التماثل العكسي يقف عند هذا الحد. ذلك أن من يفهم ثورة الإسلام يعلم أن الديني في السياسي ليس سلطة مضاعفة له بل هي قيم السياسي ذاتها. فالسياسي هو طرق تحقيق الديني عندما ندرك حقيقته: وحقيقته كما في القرآن والسنة هي الحرية الروحية (علاقة بالخالق) والحرية السياسية (علاقة بالآمر).
والعلاقة بالخالق هي النظر والعقد والعلاقة بالآمر هي العمل والشرع. وهذه الوظائف الاربع شخصية بإطلاق ومن فهي فالأولى نسبها الله إلى الفرد بإطلاق في سورة العصر لأنها شرط الإيمان والعمل الصالح والثانية نسبه إلى المشاركة بين الأفراد فيها لأنها شرط التواصي بالحق والتواصي بالصبر.
ولذلك فالحرية الروحية تلغي الوساطة والحرية السياسية تلغي الوصاية. فمادام الإنسان من حيث هو إنسان له قدرة النظر والعقد وقدرة العمل والشرع فلا يمكن أن يكون لاحد على أحد حق الوساطة أو حق الوصاية بل الجميع ينبغي أن يتصف بالإيمان والعمل الصالح وأن يشارك في التواصيين حقا وصبرا.
وإذن فاتجاه الخمينية نحو الوهابية ثم اتجاه الوهابية نحو الخمينية هو في النهاية اتجاه الجميع نحو الاخوانية التي هي المرحلة قبل الاخيرة نحو التحرر الروحي والسياسي من الخمينية والوهابية والعودة إلى قيم الإسلام التي وصفت والتي هي مضمون العصر والشورى 38وغايتها النساء 1 والحجرات 13.
وهذا يعني أمرين:
1. تحقق قيم القرآن أو الحريتين الروحية والسياسية والتحرر من التحيلين عليهما أي التحيل الشيعي والتحيل السني في علاج العلاقة بين الشرعية والشوكة.
2. تحقق الدليل التاريخي على أن الإسلام هو مستقبل الإٌنسانية لأن الغاية هي النساء 1 والحجرات 13.
فالإنسانية اتحدت ماديا لكنها ما تزال تعمل بغير النساء 1 والحجرات 13. فهي لم تعترف بعد بأن البشر اخوة (من نفس واحدة) وأنهم متساوون ولا يتفاضلون إلا بالتقوى (الحجرات 13) ما يعني أنها ما تزال غير مؤمنة بالحريتين الروحية والسياسية لأن الوساطة والوصاية ما تزالان موجودتين.
كانتا تعملان بتوظيف مفهوم الله أو الدين غطاء على مافيتين لا علاقة لهما بهما أنهما هما هامان وفرعون وصارتا تعملان بتوظيف الإنسان والطبيعة عطاء على مافيتين لا علاقة لهما بهما وهما صاحبا العجل خواره ومعدنه: والعمل الأول هو الفتنة الكبرى والعمل الثاني هو الفتنة الصغرى.
وكنت قد بينت أن الفتنة الكبرى هي تأسيس الثيوقراطيا والفتنة الصغرى هي تأسيس الانثروبوقراطيا وأن وحدتهما الخفية أو بنيتهما العميقة هي الأبيسيوقراطيا أو دين العجل. الخمينية والوهابية هما شكلا الثيوقراطيا وهما بصدد الاعتراف بأنهما أبيسيوقراطيا ويحاربان من أدرك هذه الحقيقة.
ما يسمى بالإسلام السياسي أو ما يختزل في الاخوان أدرك هذه الحقيقة في الحضارة الإسلامية لكنهم لم يتخلصوا من الوساطة الروحية والوصاية السياسية ومن ثم فهم لم يستفيدوا من ثورة الشباب بجنسيه وهي ثورة كونية أقرب إلى الحريتين بمعناها القرآني إذا يتجاوزان ما تردت إليه الحداثة والأصالة.
فالحداثة في جوهرها ليست ما تردت إليه عندما تحولت إلى إيديولوجيا استعمارية والأصالة في جوهرها ليست ما تردت إليه عندما تحولت إلى نكوص إلى الجاهلية. الإسلام هو الحريتان الروحية والسياسية للإنسان من حيث هو إنسان لتحقيق شروط الاخوة البشرية (النساء 1) بمعيار المساواة (الحجرات 13).
وعندي أن انتقال دور الشعب من الديموقراطية الموزية في إيران إلى الديموقراطية الفعلية ستلغي تحريف الإسلام الشيعي عامة والخميني خاصة وانتقال الشعب من الإسلام الموزي في السعودية إلى الإسلام الفعلي ستلغي تحريف الإسلام السلفي عامة. والإسلام يستعيد كونيته بالتحرر من التشيع والسلفية.
وفي ذلك حسب رأيي حسم للفتنتين. فعلاقة التطور الاخير للتشيع (الخمينية) بالفتنة الكبرى وحيلها الشيطانية التي ستنتهي بنهايتها وعلاقة بالتطور الأخير للسلفية (الوهابية) بالفتنة الصغرى وحيلها الحمارية التي ستنتهي بنهايتها واحدة: نهاية الفتنتين وعودة الحريتين الإسلاميتين للإنسانية.
وهذا ما أعنيه بكون الإسلام هو مستقبل الإنسانية. ما يجري في وضع المسلمين حاليا ليس ظاهرة خاصة بهم بل هي ظاهرة كونية تبين أن تحديد معاني الإنسانية وتحريرها من علل فسادها (ابن خلدون) لا يمكن أن يكون إلا في إطار الأزمات التي تتعلق بتحقق قيم الإسلام في التاريخ الفعلي بأيدي المسلمين.
وذلك هو ما أسميه الاستئناف الذي يكون بحجم النشأة الأولى وبنفس الطموح الكوني. ومعنى ذلك أن الإسلام اليوم يوجد أمام نفس التحدي الذي تصدى له في النشأة الأولى: فهو لم يقاوم إلى ما كان يحول دون الحرية الروحية (الوساطة الكنسية في فارس وبيزنطة خاصة) والوصاية السياسية (فيهما).
لكن قوة الشيطانية والحمارية تغلبت على الدستورين القرآنيين التربوي والسياسي مؤقتا لأن ضديديهما كانا مسيطرين على العالم الذي حاربهما وتلك هي حقيقة الصدام بين المسلمين والمسيحيين طيلة قرون وخرج المسيحيون منتصرين لأن العلاقة انعكست هم تحرروا بنحو ما مما عدنا إليه.
فعندمهم كان التحرر من الوساطة والوصاية بداية حداثتهم وعندنا كانت العودة إليهما بداية انحطاطنا. لكنهم هم بما توهموه تحررا كان تعويضا للثيوقراطيا بالانثروبوقراطيا وهم ما يغري المسلمين بفعل نفس الشيء ولا يدرون أن الانثروبوقراطيا والثيوقراطيا شيء واحد هو الابيسيوقراطيا.
الاستئناف الإسلامي لن يكون بالأبيسيوقراطيا التي تتبرقع بالثيوقراطيا الشيعية ولا بالانثروبوقراطيا السلفية بل هي ستتحقق بما يحرر الإنسانية منهما معا بعد أن بينا أنهما شيء واحد جوهره الأبيسيوقراطيا. ويكون التحرر بإزالة تحريف مفهوم الله ومفهوم الإنسان ليصبحا غاية لا أداة.