صالح التيزاوي
بؤس الخطاب السّياسي في تونس.
“توّا نفهمو إلّي بعد الثّورة أصبح سقف الحرّيّة عالي برشة ونجمو نتفهمو إلّي” يمكن أن تقع بعض التّجاوزات في ممارسة الحرّيّة وذلك راجع إلى النّهم الشّديد للحرّيّة بحكم أعوام الإستبداد التي قضّاها شعبنا تحت حكم الحزب الواحد والزّعيم الواحد، وبحكم البطش الذي حلّ بمن وسوست له نفسه ذات يوم بممارسة حقّه في حرّيّة التّعبير: كلّ كلمة بتقرير، وكلّ خطوة بتقرير، وكلّ كتاب تقرؤه بتقرير، حتّى النّكتة يمكن أن تودي بصاحبها إلى السّجن. نتفهّم ما حدث وما يحدث من تجاوزات بعد الثّورة. لكن أن يصل الأمر إلى حدّ استعمال لغة مليئة بمفردات العهر والقبح وقلّة الحياء فذلك أمر مستهجن، ينذر بنسف الحرّيّة باسم الحرّيّة.
ثلاثة مشاهد تختزل حالة الهبوط الحاد في مستوى الخطاب السّياسي (لا يماثلها إلّا هبوط الدّينار).
الأوّل: يأتينا من البرلمان رمز الجمهوريّة الثّانية، حيث واصل النّائب عمروسيّة عروضه المسرحيّة، عرضه هذه المرّة جاء إباحيّا ومفرطا في قلّة الحياء ومشحونا بالوقاحة، أذهل كلّ المتابعين في الدّاخل والخارج وأساء إساءة بالغة للثّورة وحتّى لجبهته. مع أنّ اعتراضاته على سياسة الحكومة في مجملها كانت صحيحة إلّا أنهّ اختار التّعبير عنها بطريقة غير أخلاقيّة ومخجلة إلى حدّ القرف والغثيان.
الثّاني: جاءنا من “الموسي” في “لمّة نوفمبريّة”، داهمتها حالة من الهستيريا بدت نتيجة حتميّة لما أصابها من اكتئاب حاد لم تشف منه منذ هروب المخلوع. فأطلقت العنان لأحقادها على هيئة الحقيقة والكرامة وعلى شخص السّيّدة سهام بن سدرين لتعيد إلى الأذهان وقاحة النّظام النًوفمبري عندما كان يصف خصومه بأقبح الأوصاف كذبا وزورا وتشويها.
الثّالث: جاءنا من “المزروب” الذي نزل ضيفا على الإعلاميّة “مريم”. فهو كلّما ضاقت عليه دوائر السّياسة ووجد نفسه قاب قوسين أو أدنى من النّهاية هرع إلى “الأمّ الرّؤوم” يلتمس عندها فرصة للإنعاش، “كيف يضيق بيك الدّهر يا مزروب ما تلقى كان مريومة”. في المرّة السّابقة حاول البكاء إشفاقا على تونس أمّا في هذه المرّة فقد سلك استراتيجيّة جديدة تقوم على لعب دور الضّحيّة المستهدف من خصومه: حكاية “بنما” مؤامرة تستهدفه. يستميت “صاحب الشّقوق” في تبرئة نفسه وفي المقابل لا يستحي من اتّهام غيره (ويذكرهم بالإسم) وليس
الإتّهام هنا مؤامرة. يحبّ أن يقنعنا بأنهّ لا يعرف شيئا عن”بنما” ولم يسمع عنها إلّا بمناسبة قرعة كأس العالم التي وضعت تونس في مواجهة “بنما”… تماما كما وضعت الثّورة المضادّة “الموازي” في مواجهة الثّورة واستحقاقاتها. وبمنطق فيه كثير من التّعالي والغرور يوجّه رسالة تحذير “شديد اللّهجة” لخصومه مدّعيا أنّهم “يجهلون تاريخه الحافل بالنّضال” فقد اقتحم
ميادينه منذ “نعومة أظافره”، ويرجع الفضل في “عبقريّته” و”نبوغه المبكّر” في عالم السّياسة إلى نشأته حيث تربّى على “مصنّفات” المرحوم اسماعيل الحطّاب وعلى آرائه الثّقافيّة والسّياسيّة في “قافلة تسير”.