تهافت السياسات، وبُناها المنتجة للفساد

زهير إسماعيل
(أزمة النظام السياسي الجديد أم أزمة سياسات ؟)
هم يدركون أنّٰ المشكل في السياسات وليس في النظام السياسي الذي قرره الدستور. كما يدركون أنّٰ سياسات منظومة 26 أكتوبر 2014، كانت تقع خارج الدستور، أي أنّٰ نظام الحكم الذي كرّٰسته الممارسة هو نظام رئاسي إن لم يكن رئاسويا (قرطاج).
كما أنّٰهم غير قادرين على إيجاد العلاقة بين تفتت “الحزب الأغلبي” والنظام السياسي الذي أقرّه دستور الثورة.
وهم يدركون كذلك، أنّٰ الفساد الذي نخر جلّ المؤسسات، يعود إلى بنية سابقة لحدث الثورة، منتجة للفساد، وجد فيها السيستام أداته المثلى، فنجح في تعطيل مسار التأسيس، وإن لم ينجح في تكريس المركزية (شرط وجوده) بمنع نتائجه في الدستور (النظام شبه البرلماني، الهيئات الدستوريّة والتعديلية، الحكم المحلي وتوسيع المشاركة الشعبية،،،)، وكان لوبيات الفساد وراعية المصالح القديمة المتجددة ومراكز القوى المعششة في مفاصل الدولة أحد أهم العقبات أمام برنامج إصلاح مالي خاصة ثم اقتصادي للخروج من الأزمة، بل كانت من أسباب تفاقمها.
ولقد نجحت هذه السياسة في الإيهام بأمرين :
فشل سياسة التوافق التي صارت من أسباب الأزمة، وهم يعلمون علم اليقين أنّٰ الذي كان هو مجرّٰد تسوية، لا تُلغي حقيقة أنّٰ بناء المشرك الوطني ووجهه السياسي المتمثل في لقاء وطني واسع يفرض هدنة اجتماعية وسياسيّة وجبائية وبرنامج إنقاذ مالي اقتصادي، من أهم شروط الخروج من الأزمة.
طبيعة النظام السياسي المقرر بالدستور، من أهم أسباب تشتت القرار السياسي ورسمه بالعجز، رغم سيطرتهم على الرئاسات الثلاث.
هم لا يريدون الاعتراف بأزمة القديم الهيكلية وعجزه عن التجدّد، وفشله الذريع حتى في “تسيير الأزمة”.
ميزان القوى الحالي في البرلمان لا يسمح بتغيير النظام السياسي، وهذا ما يفسّر ما يرْشح من حديث هنا وهناك عن التفكير في تغيير القانون الانتخابي، ولن يكون تغير القانون الانتخابي ضامنا لتغيير ميزان القوى داخل البرلمان لتوفير أغلبية تكون الأداة لتغيير النظام السياسي إلى نظام مركزي، إلاّ في حال التأثير في الانتخابات (تزويرها).
عندها سيكون الطريق سالكا للإطاحة بالمنظومة الديمقراطية ومن ثم تغيير قواعد اللعبة.
وحتى في هذه الحالة، فإنهم لن ينجحوا في تجاوز الأزمة، ولو صُبّ في حجورهم “رز العالم كُلّه”، وسيجدون أنفسهم مجددا في مواجهة حقيقة الحقائق: الانقسام الاجتماعي الحادّ (المزداد حدّة) الذي فجر الانتفاض المواطني الاجتماعي الجذري ذات 17 ديسمبر، ولكن هذه المرة بلا عدالة انتقالية، وفي انشغال “الحلفاء” بأزماتهم المتفاقمة، وبصراعات عنيفة تبلغ ذروتها بين مراكز القوة في العالم، ولا أحد ضامن أنّٰ نتائجها ستكون لصالحه، ولا تقدير لما يمكن أن تنفتح عليه من مآلات مهلكة للحرث والنسل.

Exit mobile version