محمد يوسف
فلا عاش في تونس من خانها؟ أعاش في تونس حقا من لم يخنها؟
أليس الأحرى بنا أن نقول: فلا عاش في تونس إلا من خانها ومات كل من أراد صونها؟ كيف لا والآلاف ممن شردوا وعذبوا وقتلوا في أقبية السجون وداخل مراكز الأمن مازلنا نسمع أنين تألمهم وصيحات فزعهم وقهقهات جلادهم الذي تفنن في تعذيبهم؟ السبب؟ لم يخونوا بلادهم ووقفوا بالمرصاد لمن سولت له نفسه ذلك ولو بالكلمة ولو برأي خفي فذاقوا أشد الويلات وأقسى مظاهر العذاب.
كان هذا في زمن ليس ببعيد سميناه الدكتاتورية وسماه آخرون عهد الرقي والإنجازات… ثم عدنا كلنا ثقة وأنه لن يعيش في تونس من خانها فوجدنا أن ثروات بلادنا مازالت تنهب بكل وحشية وخساسة وأن من وراء هذا هم من أبناء جلدتنا ويعيشون بيننا وفي ظلنا. ثم وجدنا أن من يسمّون بالأحياء هم المفقرون المهمشون الذين لم يروا من بلدهم غير الظلم والتشتيت وظلوا يقبعون في أقبية النسيان وأروقة الحرمان من كل خير يمكن أن يصيبهم مما تجود به بلادهم على غيرهم.
فعاش في تونس من استغل خيراتها وتاجر بعرضها وتمتع بجوْدها واستفرد به ومات البقية قهرا وأسفا على بلد يضيع من أيديهم وتذهب خزائنه قرابين وعطايا لمن استفحشوا يوما ترابنا واسباحوا قدسية بلادنا. ومن ثم سنموت ونموت ونموت حتى نشبع موتا ولكن الحق سيعود إلينا وتعود إلينا أرضنا بما تبقى من خيرها ليعيش أبناؤنا المخلصون ويرحل الخونة إلى جحيم الذل حيث ينتمون…