السعودية واستكمال فصول الإنقلاب على الديمقراطية
سفيان بن صالح
تابعنا زيارة وزير الداخلية لطفي براهم للمملكة واستقباله من طرف ملكها وقد أثار اللقاء عديد التساؤلات عن فحواه وعن أهلية السيد براهم للقاء الملك السعودي خاصة إذا ما علمنا أن المسألة الخارجية تبقى من اختصاص رئيس الجمهورية بالتنسيق مع رئيس الحكومة حسب ما نص عليه الدستور التونسي…
وأمام ما صرح به وزير الداخلية لوسائل الاعلام عن فحوى اللقاء من كونه جاء لتكريم الجهاز الأمني التونسي على ما حققه من نجاحات في مقاومة الإرهاب كان لابد من التذكير بأن مسألة التكريم لا يمكن بأية حال أن تبرر مثل هذا اللقاء بناء على التالي من المعطيات:
أولا. أن ملك السعودية وما يخصه به نظامه من قدسية تجعله يعزف حتى عن مقابلة عديد الرؤساء إذ عادة ما يتم تكليف ولي العهد أو أحد أعضاء حكومته للقيام بالمهام البروتوكولية كالتكريم وغير خاصة إذا كان الضيف وزيرا لا غير وهو ما يحيلنا على القول بأهمية وخطورة موضوع اللقاء الذي يبدو للمبتدئين في عالم السياسة حاملا لأجندة تتلخص في استكمال العملية الانقلابية على الثورة التونسية التي انطلقت برعاية الإمارات -التي أصبح دورها مفضوحا- وعليه يتم استبدالها كلاعب أساسي بالعربية السعودية العائدة بقوة للحظيرة الأمريكية بعد تخصيصها للولايات المتحدة جملة من الإستثمارات الضخمة والتي أعطاها الاقتصاديون صفة صفقة القرن حيث ناهزت قيمتها الـ 400 مليار دولار.
ثانيا. اقتراب موعد الانتخابات البلدية وأهمية دور وزارة الداخلية في هذا الصدد إذ تبقى البلديات كما هو معلوم من مشمولات الداخلية إضافة إلى أهمية الدور الامني في المناسبات المماثلة وبناء على إرادة الإجهاز نهائيا على مخرجات الثورة التونسية كان لابد من تكليف من هو قادر على القيام بالمهمة والتنسيق معه مباشرة لتنفيذ خارطة الطريق الكفيلة باستكمال فصول الإنقلاب الناعم.
ثالثا. إن النظام السعودي كان معاديا للثورات العربية منذ قيامها خشية تمددها خاصة وقد بلغ مداها حدوده البحرينية واليمنية… وأن الأنظمة الغربية عادة ما توكل المهام القذرة بعهدة الأنظمة العميلة لها خاصة فيما تتقاطع فيه من مصالح مع الديكتاتوريات المهيمنة على شعوبها وحرصا منها على عدم إثارة الرأي العام الديمقراطي والحقوقي داخلها.
وبالعودة إلى ما تم تداوله فيما تعلق باحتجاز مستشار السيد رئيس الحكومة من طرف مصالح الداخلية أثناء القيام بمهامه نتبين التجاوز الصارخ للصلاحيات والخرق الواضح لعرف العلوية التراتبية من طرف السيد وزير الداخلية وهو ما يحيلنا للقول بما لا شك فيه أن هذا الاخير يستمد سطوته من خارج الحكومة وأن تنصيبه كان مفروضا من طرف الدوائر المهيمنة على القرار السياسي من خلف ستائر أروقة قصر قرطاج وكلنا يتذكر من قال يوما لرئيس الحكومة الأسبق السيد الحبيب الصيد “أخرج وإلا نمرمدوك”.
هذا وقد شرعت الجوقة الاعلامية منذ فجر اليوم في الحديث عن الأيام الأخيرة والفرصة الأخيرة للشاهد وحكومته إضافة إلى ما نلاحظه من خلال الفضاء الإفتراضي من مقولات تمجيد لوزير الداخلية التي اختصت بها الصفحات المأجورة وبعض أبواق الدعاية التابعة للجهاز الاعلامي لكبير المافيا في تونس إلى جانب ما نشرته النقابات الأمنية من بيانات داعمة لهذا الرجل القادم من السعودية بتفاصيل تنفيذ آخر فصول الإنقلاب والإجهاز نهائيا على الثورة والعودة إلى مربع الديكتاتورية.
سؤالي اليوم أين هي القوى الديمقراطية -التقدمية- الوطنية من كل هذا، أم أن العمى الايديولوجي كان كافيا لتغمض الأعين وتخرس الألسن وتكبل الأقلام.
ألم تقدم نافورة باردو الدرس الأخير لفساد الخيارات القائلة بضرورة الإتحاد الظرفي مع الديكتاتورية لإزاحة الخصم الايديولوجي.
ألم يكف تونس كل ما أريق فيها من دماء وكل ما اضطهد فيها من مواطنين وآلام وعذابات كل من قاسم البهائم أكلها من معوزين جراء استكراش لوبيات الفساد لتعلن إفلاس السياسات الخارجة عن كل السياقات التاريخية منها والشعبية.