Site icon تدوينات

مات “خوجة” عاش “حمّة”

صالح التيزاوي

صالح التيزاوي

صالح التيزاوي
علّق حمّة الهمامي على المظاهرة المطالبة بالمساواة في الميراث: المعايير تغيّرت بين القرن السّابع واليوم.
هذا حقّ وحتميّة تاريخيّة وسنّة من سنن اللّه في الكون فهل تحترم ذلك ،حضرة الرّفيق عندما يتعلّق الأمر بالشّيوعيّة؟ وسأطبّق معيارك عليك وسيتّضح أنّك تتعامل مع التّغيير بانتهازيّة مفرطة، منذ الثّورة البلشفيّة إلى الآن تغيّر كل شيء فهل تغيّرت أنت؟ لا الإتّحاد السّفياتي بقي ستالينيّا ولا الصّين بقيت ماويّة كما كانت. كلّ شيء تغيّر… حتّى جغرافيّة الدّول الشّيوعيّة تغيّرت ولكنّك لم تساير حركة التّاريخ. أنت مع التّغيير إذا كان المستهدف ثوابت المجتمع المسلم وأنت ضدّ التّغيير إذا كان المستهدف هو الشّيوعيّة، مع أنّ التّغيير حتميّة تاريخيّة كما تقول الماركسيّة. وهو سنّة كونيّة كما يقول الإسلام.
منذ أشهر وبمناسبة مئويّة الثّورة البلشفيّة رفع حزبك “حزب العمّال” شعار “الإشتراكيّة هي الحلّ”، بما يعني أنّ الرّفيق حمّة يؤمن أنّ التّجربة اللّينينيّة الستالينيّة هي أفضل تطبيق للماركسيّة وأنّها أرقى ما وصلت إليه البشريّة ولا يمكن الإتيان بأفضل من ذلك، ألا ترى أنّك تعادي حركة التّغيير؟ الرّفيق العمّالي تغيّر شكله…ن عم… ولكن أفكاره ظلّت على حالها منذ أن اعتنق الشّيوعيّة. أذكر أنّه كان في مطلع الثّمانينات يعتبر الإتّحاد السّوفييتي دولة تحريفيّة لأنّه لم يلتزم بالتّطبيق الحرفي للماركسيّة في نسختها “اللّينينيّة الستالينيّة” وكذلك كان موقفه من الصّين. وأمّا مثله الأعلى فهو الرّفيق”أنور خوجة” وأذكر وقتها أنّ النّاس كانوا يتنقّلون في العاصمة “تيرانا” عن طريق الدّواب. ورغم ذلك فقد اتّخذ حمّة من “أنور خوجة” إماما ومن “ألبانيا” قبلة. حتّى انّ أحد النّقّاد (الأستاذ لمجد العبيدي) كتب مقالا طريفا بمناسبة موت “أنور خوجة” بعنوان: “مات خوجة عاش حمّة”. إذا كنت أيّها الرّفيق ترفض إدخال أيّ تغيير على تجربة إنسانيّة نبتت في ظروف معيّنة، فكيف تريد من أمّة عريقة مثل الأمّة الإسلاميّة التي أكرمها اللّه بخاتم رسله وخاتم أديانه أن تغيّر في دينها وأن تحرّفه لأنّ نصّا لم يعجب أعداءها ممّن تسمّيهم أنت القوى الإمبرياليّة ووكلائهم؟ ألا ترى معي أنّك لم تعدل ؟ أذكر أيضا أنّ الرّفيق البروليتاري اعتبر الزّعيم السّوفياتي “غوربتشوف” خائنا للشّيوعيّة وعميلا للغرب الرّأسمالي لأنّه قاد حملة إصلاحيّة داخل المعسكر الشّيوعي. ألا ترى أيّها الرّفيق أنّك أكثر محافظة من المحافظين وأنّك لا تحترم حتى معاييرك؟ لقد تغيّر اليسار في أروبا وأصبح يناضل داخل قلاع الرّأسماليّة المتوحّشة للتّخفيف من وطأتها على العمّال دون أن يمسّ من ثوابت المجتمع اللّيبرالية والمسيحيّة. لماذا تصرّون على هدم نظام المواريث ذلك النّظام البديع الذي استقرّت الأمّة الإسلاميّة على تطبيقه منذ أربعة عشر قرنا ولم يكن حائلا بينها وبين التّقدّم في فترات ازدهارها؟ ولمصلحة من تقومون بهذا العمل؟ فمن لا يريد تطبيق قانون الميراث على الطّريقة التي اختارها اللّه للمسلمين فمن يمنعه في ان يتصرّف في أمواله كما يريد؟
ولكنّ الباعث على طرح فكرة “المساواة بين الجنسين في الميراث” لا علاقة له بالمساواة وإنّما بأمور أخر:
1. مسّ المجتمع في ثوابته كلّما سمحت الفرصة بذلك وتحدّي الأمّة الإسلاميّة في أحلى وأغلى نظمها: نظام المواريث بدعوى المساواة المطلقة بين الجنسين.
2. الهاء الشّعب عن معاركه الحقيقيّة في الإنتخابات المحلّيّة وصرفه إلى معارك وهميّة تثير مزيدا من الفرقة ومن الإنقسام بحثا عن “التّصويت المفيد”.
3. استغلال المرأة رغبة في صوتها وليس حبّا في مساواة شكليّة لأنّ المساواة الحقيقيّة بين الرّجل والمرأة يجب أن تكون في الحقوق الإجتماعيّة والإقتصاديّة والكونيّة وهذه المسائل لا خلاف عليها.
4. محاولة الظّهور بمظهر الحداثي المنتصر لقضايا المراة مع أنّ “جبهة حمّة” عجزت عن تلبية شرط التّناصف الذي كان من اقتراحها فكانت كمن “فتل حبلا ليشنق به نفسه”. وإن كنتم حداثيين حقيقة وديمقراطيين واقعا لماذا لا تطرحون فكرة المساواة كما تريدونها على الشّعب في استفتاء (وهو أرقى أنواع الدّيمقراطيّة؟).
5. غياب البرنامج الإنتخابي بسبب عدم الرّغبة في الذّهاب إلى المحطّة الإنتخابيّة علما بأنّ حمّة تعوّدنا منه كلّما وضعت الإنتخابات أوزارها وباحت بأسرارها، يظهر الرّفيق البروليتاري ويقول: الجبهة مستعدّة للحكم فعل هذا بعد انتخابات 2011، وكرّر ذات الموقف بعد انتخابات 2014. وعندما حان موعد المحلّيات عاد الرّفيق ليشغل نفسه ويفرض على المجتمع معارك الهويّة. هذا أوانك أيّها الرّفيق لتقدّم برنامجك للشّعب حتّى يختارك وحتّى لا تظهر مجدّدا بعد الإنتخابات لتقول “الجبهة مستعدّة للحكم”.. هذا أوانك حضرة الرّفيق فلا تضيّع الفرصة…

Exit mobile version