مقبرة الجزائريين في ريف دمشق
أسامة الحاج حسن
كان العام 1916 عاما مفصليّاً في المنطقة العربيّة ليس فقط لتقسيم تركة الرجل المريض بل لأنّ الأعوام اللاحقة ستشهد بثّا لسموم الثعبان ذي الرأسين “فرنسا وبريطانيا”.
من أخطر ما قامت به حكومة صاحبة الجلالة أن مكنت اليهود من احتلال فلسطين عبر وعد “بلفور” الشهير ثم شكلت بريطانيا عينها جيشا للقوات العربّية لمحاربة اليهود تحت قيادة العميل كلوب باشا “أبو حنيك” بلهجة الكشكشة “تلفظ الكاف شينا”.
ثم أنهت بريطانيا دورها بتأسيس “جامعة الدول العربيّة”.
لم يكن دور فرنسا الجمهورية أقل خطورة من دور المملكة المتحدة فمنذ احتلال نابليون لمصر وعبثه بمشاعر المسلمين كانت فرنسا تتوق لذلك اليوم الذي تخضع شعوب المنطقة لغطرستها وجبروتها ولعل احتلال الجزائر كرّس لديها هذه المطامع فقد شرعت تنشئ جيوشا تتبع لباريس في مستعمراتها لا سيما في شمال إفريقيا فبعد إخمادها لثورات الشعب الجزائري المتتالية في قسنطينة ومعسكر وغيرها جندت الكثير من المرتزقة المحليين حتى إذا ما قامت الحرب الكونية الأولى زجت بهم إلى الجبهات الأمامية كألغام في الكرّ ودرع لقوات البشرة البيضاء في الفرّ…
بيد أن فرنسا جندت الكثير من الجزائريين عنوة ومزجتهم مع المرتزقة الذين كانت أحلامهم ترتكز على العمل والتوطين والتجنيس فبات جل همهم ألا يقتلوا في المعارك.
قامت فرنسا الخبيثة بالزج بعشرات الآلاف من هؤلاء المقاتلين ليواجهوا أخوتهم في الإسلام والعروبة في الشام..
يؤكد الباحث والمؤرّخ الفرنسي “مارك ميشال” أن ما بين 300 إلى 400 ألف جزائري أخذوا من وطنهم الأم “الجزائر” إلى فرنسا أثناء الحرب العالمية الأولى (1914- 1918) إلا أنّ معظم هذا العدد قتل أو فقد في الحروب التي استخدمتهم بها فرنسا داخل أوروبا أو خارجها أو للقضاء على التمرد في مستعمراتها ومنها سورية…
في منطقة الضمير في ريف دمشق تقع “مقبرة الجزائريين” وهي أرض تتبع للسفارة الفرنسية في دمشق لا يدخلها إلا الفرنسيون أو من يحمل إذنا من السفارة عندما تقرأ إسم مقبرة الجزائريين يقع في نفسك أن من دفنوا ها هنا قتلوا دفاعا عن أرض الإسلام لكنك ستدرك لاحقا أنهم قتلوا في حربهم ضد أبناء الأرض وأن فرنسا هي من جلبتهم لهذه المحرقة.
“ماتوا من أجل فرنسا” لافتة كبيرة كتبت على البوابة الرئيسية للمقبرة.
لم تكتف فرنسا بجريمتها النكراء الرامية إلى زرع الفتن بين الأخوة بل تاجرت بأولئك المقتولين الذين مات الكثير منهم حسرة بعد أن علموا أن من يحاربونهم ليسوا إرهابيين بل إخوة لهم ومنهم جزائريون من جيش الأمير عبد القادر..
لم تخرج فرنسا من سورية إلا وقد شكلت “جيش الشرق” وكانت دعامته من الأقليات هؤلاء الذين سيستلمون الحكم في سورية بعد ذلك بعد امتطاء صهوة حزب البعث..
بل سيفعلون كما تعلموا من سيدتهم فرنسا أن يلدغوا بنفس السم وسيشكلون جيشا بنفس مواصفات جيش الشرق ومن سيقتل على يد أخيه سيوارى الثرى في مقبرة ربما قرب القرداحة وسيكتب على البوابة “ماتوا من أجل الأسد”