هل قوّة تونس في ضعفها ؟

عبد اللطيف علوي
“قوّة لبنان في ضعفه”، هذه من أغرب النّظريات التي كان يردّدها السياسيّ الراحل بيار الجميّل، مؤسّس حزب الكتائب اللبنانيّة،
طبعا يقال هذا الكلام وفي البال أنّ تركيبة اللاقوّة أعفت اللبنانيين من وجود جيش كالجيش السوريّ “الباسل” الذي يلقي البراميل على شعبه، ويسجّل هزيمة بعد أخرى أمام “العدوّ القوميّ”، أو كالجيش العراقيّ، “الباسل” بدوره، والذي سبق للأكراد والإيرانيّين والكويتيّين أن خبروا “بسالته” على مراحل، قبل أن تتعرّض كتائبه المظفّرة لامتحانها المذلّ في الموصل ويسقط سنة 2014 أمام ألفين من الدواعش، أو كالجيش المصريّ الذي خنق الحياة السياسيّة والتعبيريّة في بلده منذ 1952، وما إن حملت ثورة 2011 للمصريّين وعداً آخر حتّى عاد السيسي إلى سياسة “أنا ربكم الأعلى”…
هذا القول طبعا يمكن دحضه بسهولة إذا أدرنا زاوية النّظر قليلا، فلبنان “القويّ بضعفه” لم يمنعه ذلك الوضع من حرب أهلية دامت 14 سنة، ولم يمنعه من أن يسقط دائما في شراك التّجاذب الإقليميّ، ويظلّ مرتهنا للقرارات والأجندات الدولية المختلفة، حتّى صار اختيار رئيس له معضلة دستورية وسياسيّة عجزت كل الطبقة السياسية عن حلّها أكثر من سنتين…
الملاحظة التي أردت أن أبديها هنا، أنّه لدينا نحن أيضا في تونس، بشكل ما، بعض اليقين وبعض الاعتقاد، بأنّ قوّة تونس أيضا يجب أن تكون في ضعفها، وقد تجسم ذلك تاريخيّا عن طريق إهمال الجيش عتادا وعددا وتدريبا. حالة الارتياح إلى أنّ تونس ضعيفة مسالمة ومسلّمة، لا تثير جاريها “العملاقين” ليبيا والجزائر، وأنّ وضع التبعية للجزائر سيجعلها دائما في وضع الحماية والاستقرار…
هذا المنطق الغريب حكم على بلادنا بأن تظلّ دائما عارية مكشوفة ومستهدفة في أمنها ومواقفها، لعلم العالمين أنّ سياستها وردودها محكومة سلفا بذلك الكوجيتو الغريب، وكلنا نذكر الغارة الصهيونية على حمام الشط، والتحرش الليبي المستمر في عهد القذافي الذي بلغ أوجه في أحداث قفصة، في حين بقيت الجزائر تهديدا قائما باستمرار، يجب أن تقرأ له تونس دائما ألف حساب، ولا تفكر أبدا فيما يغضبه، مهما كانت المصلحة الوطنية في ذلك…
حتى بعد الثورة، مازال، وسيبقى محرما على تونس أن تخرج من جبة المارد الجزائريّ، أو أن تتخذ مواقف سيادية تجاه انتهاكات كثيرة استهدفت أمنها، كاغتيال الشهيد الزواري أو حادثة الأسلحة البلجيكية أو صولات المقيم العام الفرنسي الجديد.
اليوم، مرّة أخرى يجب أن يعود هذا المفهوم للنقاش… تونس لم تخض حربا مصيرية ضدّ عدوّ منظم، ومسلّح ومموّل وموجّه، لكنه لا شيء يمنع من أن يحدث ذلك…
من المؤكّد أنّ قوة تونس في وحدتها، وفي ديموقراطيّتها، وفي شجاعة أبنائها، وفي حسن جوارها…
ولكنّ الّذي يتأكّد اليوم أيضا، أنّ قوة تونس إضافة إلى كلّ ذلك، يجب أن تكون في قوّتها.
لا بدّ من توجيه الجهد الوطنيّ لتسليح الجيش وتدريبه والرفع من جاهزيته، يجب أن تتغير عقيدة الحكم في تونس، في عالم اليوم، لم يعد بالإمكان أن تحفظ الحدّ الأدنى من مقومات وجودك كدولة وكشعب وكأرض… إلاّ بجيش قويّ مقتدر.

Exit mobile version