(مُذهِلة) إليها في يوم عيدها…

نور الدين الغيلوفي
المرأة هذا الكائن الذي أودع فيه الله خلاصة الحسن وخصّة بمرتبة الجمال.. نشأ فيه القول منذ بدء التسمية وانفصال الذات عن موضوعها بالنظر.. هي الإنسان مع قيمة لها مضافة ترفع منزلتها وتجعلها أجلّ قدرا وأكثر قداسة.. ولعل تلك الإضافة هي مدار الكلام الكثير الذي يقال في شأنها منذ انفصال الضميرين: (هو) و(هي).. ذكر وأنثى.. بين خَلْقٍ وَجَعْلٍ.. “وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (النجم/45).. فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى ( القيامة 9).. إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى (الحجرات/ 13).. ومَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى ( الليل /3).. من وراء الحجرات نجم وقيام…ة ليل.. والليل السكن واللباس.. وجماع الكل زواج بين ذكر وأنثى تكتبه المشاكلة وتفسده المشاكسة… يتساكن الزوجان يعمر باجتماعهما الكون وتدبّ الحياة ويتنفّس الصبح ويضمحلّ الظلام.. يضحك الوجود ويتلاشى العدم..
المرأة هي الجوهر بلامنازع.. ذات.. والذات عنوان الخَلْقِ.. أمّا الوظيفة فترجمان الجَعْلِ.. الأنوثة وظيفة يستقيم بها الكون ويعتدل الميزان.. ولا يضير المرأةَ أن يُنظر إليها من جهة وظيفتها.. فالذكورة في الإنسان وظيفة والأنوثة فيه وظيفة.. وبتكامل الوظيفتين يكون الإنسان الجوهر والوظيفة معًا.. الوجود وجهان متوازيان هما الرجل والمرأة..
المرأة أُسٌّ لعمارة الكون.. فبفضل أنوثتها تُقبل الحياة.. تكون أمّا وتكون أختا وتكون زوجة وتكون بنتا.. وتكون صديقة.. وكل أولئك كنّ عن الرجل مسؤولات.. وما ذا تعني الرجولة في غيبتهن؟
إنّ الاختلاف البيولوجي بين الجنسين إن هو إلّا للتجاذب بين الطرفين كما تتجاذب الأجرام في السماء لترتسم بتجاذبها هندسة الكون الخارقة.. ويكون ذلك مفتاحا لعمارة الأرض.. وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ…
لا شكّ أنّ التاريخ ظلم المرأة وسرق منزلتها هبةَ الله لها.. والتاريخ مدار صراع لم ينته وظلم لم ينقشع.. حشر المرأة في هويتها البيولوجيّة وجعلها عنصرا دائما ضمن قائمة المقهورين فكان انعتاقها المرتجى رهين توق المظلومين إلى استرداد إنسانيتهم من المتغلّبين الذين سلبوهم إيّاها…
المرأة ليست جزءا ثانويا مكمّلا للرجل في المشهد الاجتماعي ولكنّها عنوان لكمال المقام الإنساني، فهي كمال له (الرجل) واكتمالها يكون به.. وهو كمال لها واكتماله يكون بها.. وباجتماع الجنسين الذكر والأنثى والتقائهما يكون النوع الإنساني.. فالإنسان زوجان وليس يكون إلّا بهما معًا بدءا بالاقتضاء البيولوجي وما فيه من أدوار وانتهاء بالمقام الاجتماعي وما يقتضيه من وظائف.. نقول هذا الكلام من باب التأمّل في الإنسان الذي يشغلنا ونحرص على أن يستردّ منزلته في هذا الوطن الذي مزّقته الأوهام وغادرته الأفهام فرسم أفقا للعلاقات بين المختلفين يحكمه الصراع.. حتّى غلبت قاعدة البقاء للأقوى.. وتلك هي قواعد الاستبداد وأوتاده المغرسة في أرضنا الجريحة..
ألم تر كيف أنّ الطبيعة الحيوانية التي تحتكم إلى القوة في حسم صراعاتها لأجل البقاء لم تشهد، في ما أعلم، صراعا بين أنوثة وذكورة ولم تعمل على نفي الثنائية فيها.. وما أظلَمَهُ الإنسان ينفي نفسه بنفسه بعيدا عن قوانين العدل وموازين القسط…
إذا كان الرجل هو فاتحة الخلق مع آدم فإنّ المرأة، مع حوّاء، هي خلاصة هذا الخلق وختم التكوين ودليل التقويم.. حين تُسَرّ بمرأى وجه حسن من امرأة استقرّ الجمال بوجهها والجلال يردّد حالُك، وإن لم ينطق لسانك، (( لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ))…
وهل أحسن تقويما ممّن أبدعت اللغات لأجلها أشعارَها حتّى تكاد تكون حكرا عليها؟

Exit mobile version