أكره المفاجآت في كل شيء…
عبد اللطيف علوي
لست إسلاميّا، كما يرون أنفسهم، ولا “خوانجيّا” كما يراهم العالم… أنا رجل ضئيل وهامشيّ وبلا يقين… أعيش حياتي بلا أسئلة ولا تفاصيل ولا شهود، أعدّل دماغي كلّ يوم على إيقاع الحياة اليوميّة، وأكره المفاجآت في كلّ شيء…
لم أشعر يوما أنّني أحيا أو أشقى من أجل الفوز بالجنّة، أو النّجاة من النّار. كانت جنّة الأرض البسيطة المستعصية، هي غاية ما يشغلني، والنّار الوحيدة الّتي أعرفها وأسعى إلى اتّقائها، هي نار الفقر وجحيمه الّذي نتوارثه جيلا بعد جيل. لم أشعر يوما أنّه عليّ أن أري النّاس طريقا غير الّذي تعوّدوا أن يسلكوه ويتحمّلوا أشواكه. ومن أنا، كي أدّعي أنّني أعرف ما ينفع النّاس، في الأرض أو في السّماء. في هذه الحياة، ليس الأهمّ دائما أن تختار، أحيانا يكون الأهمّ أن تتأقلم وتتعوّد. لست مواظبا على الحدّ الأدنى من الصّلوات حتّى في البيت، ولم أعمر المساجد إلاّ عابرا بعض أيّام الجمعة! ولم أكن أبدا ممّن يشعرون في قرارتهم بأيّ نوع من الانبهار، أو التّقدير الخاصّ، لمن يسرفون في النّوافل أو في صيام التّطوّع…
كان قلبي أحيانا يمتلئ بإيمان صوفيّ، كثيف كغيوم ديسمبر الرّجراجة في سماء ضيّقة، كإيمان عجائز قريتنا الزّاهدات والواقفين على أعتاب الموت، فأقبل على الصّلاة كما يقبل الظّميء على الماء، وأحيانا يزوغ قلبي، وينغلق، فلا ينفذ إليه شعاع من السّماء، وتعمى كلّ حواسّي إلاّ عن مشاغلي اليوميّة المتكرّرة… أترك الصّلاة لأيّام، وأحيانا لشهور.
تقبّلت الحياة كما قدّمت لي نفسها، ولم أحاول أن أبحث تحت طيّاتها، أو خلف أبوابها عن معنى آخر، وهدف آخر يعيش من أجله الإنسان… تصدّقت، وصلّيت، وشربت الخمر من باب الاستئناس بالجماعة الضّالّة، خاصّة في أعراس قريتنا الّتي يغتنمها الشّباب ليحتفلوا برجولتهم على الطّريقة الجاهليّة، وصمت، وأحببت، وكرهت، وكذبت أحيانا، ذلك الكذب القصير الحبل، الّذي لا يعكّر نهر الحياة كثيرا، وفعلت أشياء كثيرة، لست فخورا بها، ولا تصلح أن تكون في سجلّ حسن السّيرة فعلت كلّ شيء إلاّ أن أزنى، أو أمدّ أصابعي في مغاوير السّياسة المعتمة…
أنا لست عامر الصّالحي، ولا العربي سيدهم، ليس لي صبر الأوّل، وإيمانه، ويقينه، ولا سطوة الثّاني وحقده وجبروته، فلماذا، سقطت، وعلقت بينهما في هذه الحرب الّتي شبّت فجأة في قريتنا، كعاصفة من النّار في زرع حصيد؟
#الثقب_الأسود_عبد_اللطيف_علوي ص 52