كمال الشارني
تذكرني هذه الصورة بأب ريفي في “باراج ملاق” عام 1974، لم يكن من السهل وقتها إرسال بنت ريفية إلى المدرسة على بعد أكثر من خمسة كيلومترات صباحا مساء. تصل البنت دائما متأخرة، بسبب طول الطريق وعنف الوادي وشراسة كلاب الطريق. لا أذكر لم ضربها المعلم بطلاسة اللوح على ظهر يدها حتى انتفخت وأصبحت زرقاء مدورة مثل أمعاء خروف. بكى بعضنا لأجلها، لكن المعلم هددنا بالطلاسة الخشبية.
المعلم شرير لا يحبنا، كان يقول لنا: “لماذا لا تسرحون بالدجاج في دوايركم ؟”، هو أيضا جاءنا معاقبا، حتى أنه عض أحدنا “من أطفال قرية أولاد بورقيبة”، فكمن له بعضهم في الظلام ورموه بحجر ضخم لم يصبه لكنه جعله يكرهنا أكثر من قبل.
عند نهاية الدرس، كان الأب ينتظر ابنته، كانت يدها تتدلى مشلولة زرقاء منتفخة وعندما رأت أباها صرخت أنها لا تحب المدرسة بل رعي الدجاج، لم يتكلم الأب، بل جر ابنته من يدها السليمة إلى المعلم، ودون أن يقول له شيئا، أكله أكلا: خنقه، جره ثم لكمه بقوة خرافية مرارا حتى وقع أرضا ثم رفسه وجعل يقفز فوقه بصخب ومتعة في ساحة المدرسة، بعدها جلس مع ابنته سعيدا في مدرج المدرسة ودخن سيجارة قبل أن يسلم ابنته إلى أحد أقاربه في انتظار أعوان الحرس الوطني الذين أكلوه أكلا أيضا، تركوه جثة هامدة لأيام.
لم يعد المعلم أبدا إلينا، ولم تعد البنت إلى المدرسة، رأيتها بعد أكثر من عشرين عاما وهي تجر ثلاثة أطفال في مستوصف القرية، لم تعرفني وعرفتها بشامة في وجهها، ثم علمت أنها أصبحت جدة في الخامسة والأربعين، تذكرتها وفاء لكل أب ناضل لتدريس بناته في ذلك الزمن الصعب.