التدين الشعبي و”مقاومة الإستعمار”
فهد شاهين
تحاول أحزاب اليسار العربي مستميتين إلصاق صفة المقاومة بنظام الأسد وبالتالي إلصاقها بأنفسهم.. لسبب جوهري وهو أن الشعوب العربية المتدينة هي التي تقاوم وهي التي قاومت الإستعمار.. والأحزاب اليسارية هي آخر من قاومته.
هذه هي القاعدة في الـ 100 عام الماضية.. تقول أن (المتدين) هو من يقاوم الإستعمار
ومن يحمل الفكر الماركسي واليساري والعلماني في الدول العربية وأفريقيا وأسيا يضعه الإستعمار في الحكم بعد أن يطرد أبناء الشعب الفقراء المتدينين تدينا شعبيا.
لنعود للتاريخ القريب…
ولنقوم بعملية جردة حساب في الـ 100 عام الماضية وسنلاحظ:
1. من قاوم الإحتلال الإسباني في الريف المغربي هو عبد الكريم الخطابي قائد متدين التف معه الشعب المتدين بفطرته.. نفس الأمر ينطبق على من قاوم الإستعمار الفرنسي في المغرب فجل من قاتل الإحتلال هم المتدينون والمتدينون شعبيا.
2. بدأ عبد القادر الجزائري مقاومة الغزو الفرنسي مستندا لقاعدة شعبية جماهيرية متدينة تدينا شعبيا صوفيا.. أما ثورة التحرير الجزائري فمن المعروف أن جمعية علماء المسلمين بقيادة عبد الحميد بن باديس هي مشعل الثورة الجزائرية.
3. في ليبيا انطلق عمر المختار أيضا بجماهير ليبية متدينة تدينا شعبيا.. قاتل واستشهد هو والالاف أمثاله دون أن يحظى بدعم مما يسمى تيار علماني أو يساري عربي.
4. في سوريا.. نفس المدن التي انتفضت ضد فرنسا هي نفسها التي تنتفض الآن ضد آل الأسد.. وهي مدن تحمل ومالزالت سمات التدين الشعبي.. فالغوطة وإدلب التي قاتلت فرنسا متئكة على جمهور عريض متدينة تدينا شعبيا هي من تقاتل الإستعمار والاستبداد.
5. يمثل الشيخ عز الدين قاسم حالة أكثر تطورا في التدين الشعبي لأنه امتلك نوعا من الايديولوجيا حينما قاتل الإستعمار البريطاني.. لأنه قد خرج من بيئة سورية متدينة تدينا شعبيا والتحق به عشرات السوريين والفلسطيين من نفس هذه الفئة وأورثوا الراية لمن بعدهم من الفلسطينين وبإسناد من الغوطة ودرعا والأردن بفئات شعبية متدينة تدينا شعبيا لم تسمع ولم تنتم يوما لايديولوجيا إسلامية أو ماركسية أو علمانية.
6. قاتلت أيضا الموصل والأنبار والفلوجة القوات الأمريكية منذ العام 2003 بشريحة مجتمعية عريضة متدينة تدينا شعبيا.. وهنا يمكن أن نرصد أن هناك من قاتل بلا ايديولوجيا دينية وهناك من انضوى تحت أحزاب الجهادية السلفية.
7. يمكن ضرب مثال أندونيسا وتونس على ثورات قادها علماء الدين ضد المستعمر (في أندونيسيا حركه علماء المسلمين هي من قادت الجهاد ضد المحتل (البريطاني والهولندي).. ولكن في تلك الحالتين سنجد أن الإحتلال قد أسس أحزابا شيوعية ووضعها في الحكم (أندونيسا) كمثال… وفي تونس تم تصنيع البرقيبية بشلكها الحداثي على أنها المكافئ السياسي للمقاومة المتدينة شعبيا التي وصفت فيما بعد بالرجعية والتخلف بل وقتلت معظم رموزها.
8. ما قبل زحف الايديولوجيا إلى عالم العرب سنجد أيضا أن من قاتل الانجليز في مصر وعدن والهند في أواخر القرن التاسع عشر ومن قاتل الاستعمار الروسي لجمهوريات اوراسيا الإسلامية جلها بل كلها قادها وشارك فبها المتديون شعبيا.
9. اشتراك فصائل فلسطينية ماركسية ويسارية في الثورة الفلسطينية منذ العام 1960 كان مرتبطا ارتباطا وثيقا بنهوض اليسار العالمي ومناوئته لدول امبريالية بعينها في فرنسا كمثال (مظاهرات الطلاب) وكامتداد للإتحاد السوفيني أو كمقاومة متناغمة مع المقاومة اليسارية في أمريكا الجنوبية وفيتنام وعندما خفت أوار اليسار العالمي خاصة بعد انهيار الإتحاد السوفيتي فقد اليسار قوته المحركة (الخارجية)… وانتقل من الكتف الروسي إلى الكتف الغربي كنشطاء جمعيات حقوق مرأة وطفل وإنسان وحيوان.
10. التدين الشعبي كان وما زال عاملا حاسما في أي معركة ضد الإستعمار… فدول إفريقيا جنوب الصحراء وقعت بسهولة تحت وطأة الإحتلال الفرنسي والبرطياني… وأينما وجد مسلمون في إفريقيا وآسيا جوبه بقوة أما الإستعمار الفرنسي تحديدا فقد أدام وجوده بتنصيب حركات يسارية في الحكم… هذا الكلام تكلم عنه بتوسع فرنتز فانون بكثرة في كتابه معذبو الأرض
لذلك شبيحة اليسار العربي في حقيقتهم هم من يخدم الإستعمار حاليا ليس فقط لأنهم لا يمكلون قاعدة شعبية لمواجهة بل لأنهم الآن من يحمي استثماراته لنهب ثروات الأرض العربية خاصة في أفريقيا.