كمال الشارني
الرغبة في إصلاح أوضاعنا البائسة إذا توفرت، تبدأ من الأسفل، فأنا أعرف معتمدا في العاصمة يمر كل يوم من طريق مليئة بالحفر والماء الآسن، لكنه لم يجد المبرر لكي يسأل عن العلة ودوائها عند رؤسائه، حتى جاء الحل عن طريق ضابط سام في الجيش الوطني جاء من صفاقس إلى الحي لخطبة فتاة جميلة لابنه، فاحتج عند صديق له “واصل في الحكومة”، بعد أسبوع من الخطبة عاد المقاول لإصلاح الغش في الطريق، كم كان الحل سهلا بسبب حب ابن الجنرال.
وحدثني ضابط سام في الأمن عن تبرمه من ظلام الطريق الرئيسي المؤدي إلى بيته ومن المخاطر الأمنية لظلام الأنهج، فقلت له: “لم لا تكتب مراسلة رسمية إلى وزير الداخلية الذي هو رئيس كل النيابات الخصوصية ؟”، ثم سألته عن غياب زملائه في مرجع نظره ونحن نتقاتل بوحشية صباحا في المفترقات، فأصبح يكرهني، وحذرني صديق مشترك بأنه قد يصنفني شيوعيا أو فوضويا رغم تقدمي في السن وطموحاتي البرجوازية، وما زلت أذكر كيف كان أول سؤال طرحته على كاتب دولة مكلف بالبيئة في إذاعة تونس الثقافية هو: “سيدي، ما تفسيركم لإضاءة كل شارع محمد الخامس اليوم في النهار ؟”، قال حائرا: “بالحق ؟ لم أرها”، وتصديقا كلامه فإن البلاد قد تخلى وتاكل بعضها ولا يعلم مسؤولوها إلا بعد فوات الأوان عبر تبادل الشتائم في فايس بوك، والدليل مركز أطفال التوحد. وما زلت إلى اليوم مريضا بالسؤال الذي طرحته في استوديو الثقافية على وزير التجهيز: “ألا تملكون طريقة لإقناع مقاول أشغال الزهور الزهروني لكي يتركنا نمر في سلام على أرض منبسطة ؟ وإن تعذر ذلك، ألا يمكن إقناع خدامته وجناويره بالإسراع قليلا في العمل ؟ حتى لمجرد إيهامنا أنهم يشتغلون ؟”، ما زلت مريضا بعبث السؤال.
وربي يقدر الخير…