كمال الشارني
عن خمسين عاما من الخصي، وثلاثين عاما من الانتهازية الوطنية.
أظلم صفعة أكلتها على خشمي كانت بسبب “تدخلي في ما لا يعنيني”، جاءتني وأنا تحت تأثير الهرمونات السيئة للمراهقة في زمن الظلم والقمع في سن الرابعة عشر من قيم المبيت “K” بالمعهد الثانوي بالكاف شتاء 1980 (كان فيه 12 مبيتا مرقمة بالابجدية)، حين أغراني أصدقائي بأن أتحدث عن شباك بلور محطم في زمن الثلوج التاريخية في مدينة الكاف، قال لي بعنف: “آش مدخلك ؟ أنت أرجل منهم الكل حتى تفتح كشختك ؟ هاهم ساكتون ؟ ورطوك ثم تخلوا عنك”، قدم لنا محاضرة طويلة عن “فضل الدولة في تحويلنا من هوائش إلى كائنات تقرأ، لولا الدولة لكنتم سراحا”. كانت ورثة من خمسين عاما من خصي الرجولة والمبادرة والشجاعة والكبرياء، أن تتحدث عن الشأن العام يعني أن تضرب على خشمك حتى تختلط الخنانة بالدم ويضحك عليك العالم ثم يتركك وحدك للعزلة والندم. بعدها: ثلاثون عاما من الاستثمار العمومي في الانتهازية والنذالة الوطنية، حيث يقيس الإنسان مشاركته في الشأن العام بـ “ماذا سأربح في الحكاية”، زمن اكتشاف الاستهلاك السريع، دخول “التجمع” من أجل تغيير الثلاجة والتلفاز، شراء سيارة، شراء بيت من الحكومة، أرض من الاحتكارات، فيرمة من الملك العام، احتكار توريد شيء مهم، أقلام يعطيها النظام مقابل شراء الذمم.
الآن يمكن أن نفهم كيف يدافع الضحية عن جلاده ويخترع له المبررات.