بشير العبيدي
#رقصة_اليراع
كان الأبُ يراقبُ بلوغ ابنه البكر بكلّ فخر، وهو يتأمّل التغييرات التي تطرأ على جسد ولده ونضج عقله، بما يذكّره بأيام فتوّته التي بقيت عالقة في ذاكرته كأجمل أيام الحياة وأمتعها.
وفِي يوم من الأيام، جلس الفتى قبالة أبيه لكي يساعده على صنع عنان جلديّ للفرس، فأغتنم الشاب الفرصة لكي يلمّح لأبيه برغبته في الزواج والاستقلال، فتبسّم الأب وقال لابنه ينصحه: يا بنيّ، أزوّجك على أن تتعلّم علوما وتعرف معارف لكي تستعين بها على كدر الحياة ! وعدّد لابنه مجالات في الحياة يراها الأب ضرورة حياتية فقبل الشاب عن طيب خاطر، ثم هام في أودية الأيام يتعلّم ما نصحه به والده الحنون، حتى ارتوى ممّن اكتوى وفهم الظاهر وما في الجوى.
وعاد الفتى يوما إلى والده يراجعه وقال له: أبتاه، أظنّني تعلّمت علوم الحياة، فهل حان وقت زواجي؟ فتأمّله والده مليّا وقال له: بارك الله فيك وفيما تعلّمته، ولقد بقي لك الآن علم واحد إن تعلّمته زوّجتك! فسأل الشاب أباه عن هذا العلم الأخير الذي بقي عليه أن يتعلّمه، فأجاب الأب: إنّه علم النِّسَاء ! وإنّني لا علم لي بكيفيّة الحصول عليه، لقد نصحتك في العلوم الأخرى، أما علم النِّسَاء، فعليك أن تدبّر لنفسك أمرها !
فهام الشاب على وجهه، يفكّر في أمر علم النِّسَاء، حتّى اهتدى إلى فكرة أن يسأل امرأةً عن ذلك. فاختار امرأة تعرف الأمور، متوسّطة العمر، نبيهة فذّة، واحتال أن يعترض سبيلها حتّى ظفر بها في إحدى السكك يوماً وسألها قائلا: يا خالتاه، ما علم النِّسَاء؟ لقد اشترطه والدي عليّ، على أن يزوّجني إن أدركته؟!
تفرّست المرأة في وجه الشاب الصبوح مليّا، ثم غطّت وجهها بطرف خمارها، وقالت له: اتبعني عن بعد أعلّمك علم النِّسَاء !
فانطلقت المرأة المعلّمة لا تلوي على شيء، والشاب يتبعها عن بعد، حتّى خرجت من أنس العمران، وجرّته إلى وحشة الوديان، واختارت مجرى للماء حوله أجمة، في موضع يحرّض على الريبة، وينثر زرّيعة الشكّ، ثم نظرت يمنة ويسرة وصاحت بأعلى صوتها، تستصرخ من يسمع من القريب والبعيد، تنادي أن أدركوني أدركوني !
فتسمّر الشابّ في موضعه بقرب المكان الذي اختارته المرأة لمسرحيتها، لا يدري ماذا يفعل ولا ماذا يقول، ولا يعرف أن يهرب أو أن يقترب ! وأدرك أنه واقع لا محالة في فخّ لا مهرب له منه، وندم على السؤال ندما، وصار يخمّن نهايته بين سجن لا مخرج له منه، وبين نهش بين أرجل المنجدين لا مهرب له منه، وما هي إلا لحظات حتّى تهاطل المنجدون من كلّ فجّ، ولاح من بعيد إخوة المرأة وهم عتاة في البطش، فزاد ذلك في خوف الشاب وأيقن بالهلاك !
فَلَمّا رأت المرأة أنّ قومها اقتربوا، جذبت يد الشاب وألقت بنفسها وبه في ماء الوادي قبل أن يراها الناس، ومثّلت الغرق وطفقت تغوص وتطفو… فأخرجوها من الماء وأخرجوا الشاب معها وهي كأنّها تكافح الموت، فما هي إلا برهة حتّى قالت، وقد اجتمع الناس من حولها مهنئين على السلامة: هذا الشاب أنقذني من الموت ! هذا الشاب أنقذني من الغرق !
فانهال الناس على الفتى المسكين بالقبل ! وحمله إخوتها على أعناقهم ! وعادوا جميعا إلى البلدة فرحين حامدين، فانتشلت المرأة لحظة غفلة من الجميع وهمست للشاب في أذنه قائلة: هذا علم النساء يا ولدي !
فعلم هذا الفتى الطيب بأصول علم النساء من خلال تمثيلية علم أشباه النساء. وحين يستدير لي الزمان، سأكتب كذلك عن علم الرجال، من خلال علم أشباه الرجال.
✍? #بشير_العبيدي | جمادى الأولى 1439 | كَلِمةٌ تَدْفَعُ ألَمًا وكَلِمةٌ تَصْنَعُ أمَلًا |
فهام الشاب على وجهه، يفكّر في أمر علم النِّسَاء، حتّى اهتدى إلى فكرة أن يسأل امرأةً عن ذلك. فاختار امرأة تعرف الأمور، متوسّطة العمر، نبيهة فذّة، واحتال أن يعترض سبيلها حتّى ظفر بها في إحدى السكك يوماً وسألها قائلا: يا خالتاه، ما علم النِّسَاء؟ لقد اشترطه والدي عليّ، على أن يزوّجني إن أدركته؟!
تفرّست المرأة في وجه الشاب الصبوح مليّا، ثم غطّت وجهها بطرف خمارها، وقالت له: اتبعني عن بعد أعلّمك علم النِّسَاء !
فانطلقت المرأة المعلّمة لا تلوي على شيء، والشاب يتبعها عن بعد، حتّى خرجت من أنس العمران، وجرّته إلى وحشة الوديان، واختارت مجرى للماء حوله أجمة، في موضع يحرّض على الريبة، وينثر زرّيعة الشكّ، ثم نظرت يمنة ويسرة وصاحت بأعلى صوتها، تستصرخ من يسمع من القريب والبعيد، تنادي أن أدركوني أدركوني !
فتسمّر الشابّ في موضعه بقرب المكان الذي اختارته المرأة لمسرحيتها، لا يدري ماذا يفعل ولا ماذا يقول، ولا يعرف أن يهرب أو أن يقترب ! وأدرك أنه واقع لا محالة في فخّ لا مهرب له منه، وندم على السؤال ندما، وصار يخمّن نهايته بين سجن لا مخرج له منه، وبين نهش بين أرجل المنجدين لا مهرب له منه، وما هي إلا لحظات حتّى تهاطل المنجدون من كلّ فجّ، ولاح من بعيد إخوة المرأة وهم عتاة في البطش، فزاد ذلك في خوف الشاب وأيقن بالهلاك !
فَلَمّا رأت المرأة أنّ قومها اقتربوا، جذبت يد الشاب وألقت بنفسها وبه في ماء الوادي قبل أن يراها الناس، ومثّلت الغرق وطفقت تغوص وتطفو… فأخرجوها من الماء وأخرجوا الشاب معها وهي كأنّها تكافح الموت، فما هي إلا برهة حتّى قالت، وقد اجتمع الناس من حولها مهنئين على السلامة: هذا الشاب أنقذني من الموت ! هذا الشاب أنقذني من الغرق !
فانهال الناس على الفتى المسكين بالقبل ! وحمله إخوتها على أعناقهم ! وعادوا جميعا إلى البلدة فرحين حامدين، فانتشلت المرأة لحظة غفلة من الجميع وهمست للشاب في أذنه قائلة: هذا علم النساء يا ولدي !
فعلم هذا الفتى الطيب بأصول علم النساء من خلال تمثيلية علم أشباه النساء. وحين يستدير لي الزمان، سأكتب كذلك عن علم الرجال، من خلال علم أشباه الرجال.