سيدات يحملن على أكتافهن قسوة الأيام
عبد القادر الونيسي
منذ مدة أفكر في تحية سيدات النهضة بما يليق بهن ويرد لهن إعتباراً غفل عنه الكثير من الرجال ظلما وجحودا.
ما سلطه الإستبداد عليهن تنوء به الجبال وتنهد له قلوب أعتى الرجال.
محنتها أشد وأنكى وأعظم من محن كل الرجال أكانت زوجة وبنتا أم أختا وأما.
عرفت السجن ولم يكن أسوأ إبتلاء طول هذه المحنة الظالمة الغاشمة هذا إن لم يكن هو البطولة بأخف الأثمان.
السجين يسقط عليه كل تكليف ينام ويصحو على المعتاد الذي يصبح جزء من تركيبته النفسية فيستقر حاله على وضعه الجديد.
العنت يحملنه النساء. يحملن على أكتافهن السجين والسجان وقسوة الأيام وإعراض القريب وسطوة البوليس وتجسس الجار وحصار المجتمع وقلة ذات اليد.
تتقاذفها الأيام بين شتى المعتقلات تحمل قفتها لسجينها تعدها ليلا وتسافر بها فجرا.
تضع في قفتها كل ما تملك من حب ومال وعرق وجهد وتزيدها ابتسامة تغتصبها رغما عنها حتى لا يحس سجينها بشقاء ومأساة تتجرعها صبحا ومساء.
يبات شبعانا وتبات على الطوى تنتظر وجلة يوما جديدا من القهر والخوف والذل والإهانة.
يضيق صدرها بهموم الأولاد وأبيهم وفي أحيان أخرى تنضاف نيران صديقة تجتمع عليها مع منصات القصف التقليدية مصدرها أهل زوجها.
حتى من دخلن السجن لم يكن سجنهن كالرجال. “الحبس للرجال” عند التوانسة ولكن ليس للنساء. من دخلت السجن تبقى موضع شبهة وسوء ظن يمس من عفتها وعرضها وهذا ما سعى له النظام السابق ومنظريه من تسليط المنحرفات على نساء النهضة للغدر بهن ولولا حفظ الله ثم استنفارهن ليلا ونهارا للذب عن أعراضهن لكانت الجريمة الكبرى والرزية العظمى.
ربما لم تعرف تونس إنتقاما كالذي لحق نساء النهضة صب عليهن الإستبداد العذاب صبا ونكل بهن لكن حاملات لواء الإسلام بقين عاليات الكعب على كل أفاك أثيم.
منعوها من العمل والدراسة والتداوي بل منعوها حتى من المشي في الأسواق حتى لا يتصيدها البوليس فيمعن في إذلالها وإهانتها.
تحملت كل ذلك دون سخط ولا زفرة حتى لا يشمت فيها القريب والبعيد ودفعت ذلك من صحتها وبدنها (أغلبهن يعانين شتى الأمراض المزمنة).
على خطاها أختها المنفية وجدت نفسها في أرض غير أرضها وأهل غير أهلها تواجه وحدها نظرات الكراهية. تحتضن وحدها أولادها وقد انشغل الزوج بأشق المهن وأشدها يعود للبيت لينام ويصحو ليعاود الخروج إلى عمله.
تراقب الأولاد في دراستهم وفي دينهم وفي أخلاقهم. تهان وتعود إلى البيت باكية وهي تسمع أقسى السباب العنصري.
تفقد أغلى أهلها فتزداد لوعتها لعجزها عن وداعه.
فتحن بيوتهن للشباب المهاجر وكن أمهات حانيات عليهم حتى زوجوهم واشتد منهم الجناح.
بعد عمر أفنته في المهجر تجد نفسها بين موطن يرفضها ووطن لم يعد يرحب بها وأبناء تفرقوا في أرض الله الواسعة.
جاء الفرج بعد أن استأس الناس. خرج الرجال يلعبون دور البطولة وألزموها بالأدوار الثانوية كما هو الحال في السيناريوهات التي يكتبونها دائما.
تم دفع بعضهن لتزيين الواجهة تحت الضغط الخارجي في لعبة يتحكم الرجال دائما في دقائق تفاصيلها.
تلك خدعة أخرى ربما آتي على تفاصيلها لاحقا إن شاء الله.
إحترامي سيدتي…