ليلى الهيشري
التجاذبات بين الحكومة والأحزاب المعارضة، نتيجة صدور قرار المفوضية الأوروبية في فيفري 2018 الذي صنف تونس ضمن الدول غير المتعاونة مع منظومة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وكان وقع القرار بمثابة الضربة الموجعة التي قوضت كل المجهودات الحكومية المبذولة في سبيل دفع عجلة الاستثمار.
واختلط الأمر على الرأي العام بين مشكك في نجاعة مؤسستي البنك المركزي واللجنة التونسية للتحاليل المالية، وبين تقصير حكومة الشاهد في حسن الإحاطة بالملف الذي أضر بمصلحة تونس ومكانتها في أوروبا والعالم.
ولأهمية الموضوع، تم اقتراح لجنة استماع بدعوة من اللجنة المكلفة بالمالية بمقر مجلس النواب، لتمكين الجهات المعنية بإعطاء التوضيحات اللازمة باعتماد المؤيدات القانونية التي قد تحسم طبيعة المسؤولية الملقاة على عاتق البنك المركزي واللجنة محل التشكيك.
ولقد حضر على هاتين المؤسستين، رئيس البنك المركزي ورئيس اللجنة التونسية للتحاليل المالية، الكاتب العام للجنة، رئيسة هيئة التوجيه باللجنة، ومدير الرقابة المالية في البنك المركزي، حيث تلخصت شهاداتهم في جملة من النقاط الهامة التي قد تبين الأسباب المؤدية لقرار المفوضية الأوروبية:
1. المفوضية الأوروبية تفتقر إلى معايير موضوعية في وضع التصنيفات:
اعتبر الكاتب العام للجنة التونسية للتحاليل المالية، أنه تم التوصل إلى بحث التصنيف المدرج في مشروع القرار موضوع الاستنكار، مع أطراف برلمانية في المفوضية ولقد تمكنت تونس من الحصول على دعم 28 نائب من جملة 32 نائب يمثلون لجنتين تعملان في دراسة الملفات المتعلقة بالدول محل التصنيف، وبعد تمرير مشروع القانون على الجلسة العامة تحصلت تونس على دعم 357 نائب ولكنها لم تستطع الحصول على النصاب القانوني الكافي للبقاء بمأمن عن ذلك القرار الذي اعتبره مجحفا في حق تونس، ويعود ذلك لطبيعة التقييم الذي اضطلعت به المفوضية.
ونظرا لافتقادها لوسائل تقييم خاصة بها تقوم اللجان المكلفة بالتصنيف على استقراء بعض القرارات الصادرة عن بعض المنظمات المختصة في المجال المالي، لا تستجيب للوضع الجديد للدول موضوع التصنيف وعلى اثرها لم تعر المفوضية انتباها إلى التحسن الذي شهده الملف التونسي في هذا المجال، حسب قوله، علما وأن تونس حضرت كل الاجتماعات المتعلقة بما يعرف بالـ”MONAGAFI” ومجموعة العمل المالي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا والتي تم التنسيق معها وثبت أنها دولة متعاونة.
ولقد أسهب في تفسير الوضع عبر اتهام المفوضية باتخاذ تصنيفات تعود لدوافع سياسية ولقد اتخذ دولة تنزانيا مثالا لإثبات عدم ارتباط تصنيف المفوضية الأوروبية بقرار الـ”GAFI” .
2. نشاط اللجنة والإجراءات المعتمدة في التعاطي مع التصاريح بالشبهة:
شكلت الصلاحيات الموكولة للجنة التونسية للتحاليل المالية اهم التحديات التي واجهت ممثلي البنك المركزي، فقد اعتبرت تلك المؤسسة أهم جهاز حديث في التصدي لجرائم غسل الأموال من خلال صلاحياتها الوقائية والردعية. ويتمثل ذلك في جملة النشاطات التي تضطلع بها الهيئات الثلاث المكونة لها، حسب الفصل 7 من الأمر عدد 1865 الصادر في 2004 والمتعلق بآليات ضبط تنظيم اللجنة وطرق سيرها، وتختصر في هيئة توجيه، خلية عملية وكتابة عامة.
وتعد الخلية العملية والكتابة العامة من أهم الأجهزة التي تسهر على دراسة ما يعرف بالتصاريح بالشبهة التي ترد على اللجنة لدراستها وإثبات محل الشبهة، على أن يتم إعطاء الأولوية للملفات ذات الخطورة القصوى. ويتم إحالة الملف بعد الدرس على أنظار الكتابة العامة لعرضها على اللجنة للبت في مآل هذه التصريحات المعالجة.
ولقد أكد السيد الكاتب العام قيام اللجنة بإحالة 500 ملف نهاية ديسمبر2016 إلى النيابة العمومية لتحديد طبيعة المآل الذي يكون إما بالحفظ أو بالإحالة، وهناك تصاريح بالشبهة لازالت قيد الدرس لأنها تتطلب أجالا إضافية وهي التصريحات المتعلقة بشركات خدما وشركات التجارة الدولية.
3. الإجراءات الوقائية المعتمدة لحماية القطاع البنكي:
لقد تم العمل على وضع مخططات وقائية من قبل المصالح المختصة للجنة التحاليل المالية والبنك المركزي للتوقي من مخاطر الإضرار بهذا القطاع حسب الحاضرين عن مؤسسة البنك المركزي وذلك عبر بعض المبادرات الفردية:
– وضع سياسة حمائية تقوم على تحديد السقف الأقصى للمبلغ المزمع تحويله والذي يقدر بـ30 الف دينار تونسي، لمحاربة عملية استنزاف احتياطي العملة للدولة التونسية.
– كما تحدث السيد مدير الرقابة المالية إلى ما نبهت إليه اللجنة من وجود الشركات التجارية التي لا تستجيب لمقتضيات النصوص القانونية المتعلقة بتكوين هذا الصنف من الشركات.
– كما عملت هيئة التوجيه الراجعة بالنظر للجنة التحاليل المالية لدراسة علمية تقييمية تنبه إلى مخاطر الضعف الرقابي في القطاع الجمعياتي غير المقنن الذي لا يصرح بعمليات التمويل، التي تتم عادة عبر عمليات نقدية أو تحويلاتswift” ” وكذلك عبر التحويلات البريدية السريعة.
– هذا وأثمر تضافر الجهود بين اللجنة التونسية للتحاليل المالية ومؤسسة النيابة العمومية سنة 2013 إلى العمل على استصدار أمر تم بموجبه تعليق عمل الجمعيات التي تحوم حولها شبهات غسل الأموال ونجحت في تنفيذ الأمر الصادر سنة 2014 على عدد كبير منها.
4. وثيقة التزام سياسي رفيع المستوى وسياسة صنع الأزمات:
أكدت السيدة نائلة خلف الله رئيسة الخلية العملية باللجنة التونسية للتحاليل المالية، في توصيفها المرحلي لتواريخ هامة تتعلق بمراحل تكوين التقرير النهائي حيث جاء على لسانها حرص اللجنة المتواصل على إعلام الحكومة بأهمية الإشراف على اجتماعات اللجنة التونسية وتذكيرها بضرورة ضمان حسن سير عملية التنسيق بين الأطراف المعنية بالتوصيات الإصلاحية طيلة الفترة الممتدة من أفريل 2016 إلى غاية أكتوبر 2017، عبر مراسلات إدارية رسمية في الغرض.
كما أثارت نقطة هامة تتعلق بامتناع الحكومة عن إصدار ما اسمته بـ”وثيقة التزام سياسي رفيع المستوى” وهي وثيقة تحتوي على خطة عمل بتوصيات الـ “GAFI” تشمل النقاط التي يجب على تونس تداركها لتلافي التصنيفات الخطيرة التي تتجاوز التقييم الأخير بأشواط، حيث عملت هذه المنظمة على وضع الأصبع على النقائص الإجرائية التي وجب معالجتها بموجب التزام جدي قابل للتنفيذ وأهمها التسريع بتعديل مجلة الإجراءات الجزائية، إصدار أمر حكومي يقضي بتجميد أموال الإرهابيين، البحث في إصلاح الهيئات الرقابية على غرار هيئة السوق المالية، الهيئة العامة للتأمين، والبحث في تطوير آليات مراقبة بعض المهن الحرة على غرار قطاع المحاماة، قطاع الحلي، قطاع المحاسبين.
وفي الأخير، قد تكون هذه الجلسة على أهمية المعلومات التي أفادنا بها أعضاء وممثلي البنك المركزي واللجنة التونسية للتحاليل المالية، قد أكدت غيابا للإرادة السياسية الحقيقية في معالجة الشأن الاقتصادي التونسي الذي القى بظلاله على كل القطاعات الأخرى، وفي ظل هذه الأزمة الجديدة التي تضاف إلى كم العوائق المحيطة بالمشروع التنموي الشامل لتونس، يجدر الإشادة بمجهودات المؤسسات التونسية في تقديم المبادرة الفردية، حيث استطاعت بلوغ بعض الإصلاحات الجدية رغم عجزها عن تلافي مواقع النقص التي جاءت في توصيات الـ”GAFI”، ورغم تخلفها لسنتين عن الانخراط كبقية الدول الأخرى في برنامج تقييم القطاع المالي العالمي الذي انطلق في 2011.
رابط لجنة المالية: الاستماع الى محافظ البنك المركزي رئيس لجنة التحاليل المالية حول ملابسات تصنيف تونس في القائمة السوداء للدول الأكثر عرضة لغسيل الأموال وتمويل الارهاب