منجي باكير
من الثّابت قطعا بالدّلالة والتجربة أنّ أيّ نظام حكم في أيّ بلد مّا لا يستطيع أن يقوم على أسس صحيحة ولا يمكن له أن يؤتي نتائجه المرجوّة والتي تعود على الشعب بجملة من المنافع السياسيّة والإقتصاديّة والإجتماعيّة وكذلك في مجال الحقوق والحريّات، لا يستقيم هذا النّظام ولا تقارب فيه الحياة الديمقراطيّة خطوط المطلوب بالضرورة إلاّ متى كانت هناك مقابل هذا النّظام الحاكم معارضة على قدْرٍ من قوّة التمثيل الشعبي، التنظّم الهيكلي والتمكّن المعرفي وأيضا حذق الفعل السياسي -تشخيصا وتعبيرا- ومعرفة شؤون الديبلوماسيّة والإجتماع والإقتصاد والإلمام بشأن الوضع الدّاخلي للبلد،،،
لكــــــــــنّ المتابع لمجريات الحياة السّياسيّة في تونس عموما وعمل ما يسمّى (معارضة) يكاد يجزم أنّ الإسم لا يقابل المسمّى ولا يجد أثرا لأعمال يصحّ أنّْ يطلق عليها أنشطة معارضة أو مواقف معارضة، بل يجد جماعات أو أحزاب أسقطت أنفسها إسقاطا ولم تنبع من قواعد شعبيّة راسخة تستمدّ منها قوّة وجودها وتفرض باسمها تصوّرات وحلول المرحلة كما أن عملها ينحصر في جملة من ردود أفعال متضاربة لا تحكمها مرجعيّات ثابتة ولا تحمل معها أصول ومهنيّة الإشتغال السياسي في ميدان المعارضة، بل هي لا تعدو أن تكون تشنّجات ومهاترات أو رصدٌ لبعض أخطاء الترويكا الحاكمة يتولّى بعض منتسبيها تقديمها في بلاتوهات الإعلام المرئي أو نشرها في الصّحف أو صفحاته الشخصيّة في الفيس بوك بطرق هزيلة وهزليّة لا ترتقي إلى مستوى الإقناع كما تسقطهم أحيانا في دائرة الغباء السياسي والجهل المعرفي بحقائق الأمور وكثيرا ما تذهب فوائدها -إن حملت معها فوائد- إلى النّظام الحاكم ليستثمرها في صالحه ويتدارك بها ما غفل عنه… كما أنّ غباء هذه المعارضة يتجلّى في افتعال القلاقل والبلابل والأكاذيب التي قد تأخذ بهرجا وحيّزا من الإهتمام من بعض الشّعب حينيّا لكنّها مع عامل الزّمن لا تلبث أن تفقد بريقها وفاعليّتها وتنجلي حقائقها لتجني المعارضة من ورائها أكثر نقمة شعبيّة وأكثر ابتعادا على الرأي العامّ.
هذا الغباء الذي يرافق عمل المعارضة يمكن أن يجد له مكانا للتبرير إذا ما جعلنا في الإعتبار حداثة -فعل المعارضة- بعد عقود الجمر والدكتاتوريّة وسياسات التكميم والحديد والنّار التي مرّ بها الشعب التونسي ككلّ والنخبة بالأخصّ،، ويمكن أن نترقّب تحسّنا، لكن الوصمة الثانيّة -والمؤسفة جدّا- التي تحفّ هذه المعارضة وشخوصها والتي نقصد بها (الغوغائيّة)، غوغائيّة التفكير، غوغائيّة المواقف وغوغائيّة الأداء ومردّهم الفراغ والإفلاس من منطق الحجّة وقوّة البرهان التي يترجمها أعلام المعارضة إلى تهريج ومقاطعات أو فوضى وصياح وشتائم وتشويش عوَض اللّجوء إلى الأدوات الديمقراطيّة والتي تقتضي في أوكد مبادئها الإستماع إلى المخالف والسّماح له بإبداء وجهة نظره أو بسط مشروعه،، ثمّ في حالة الرّفض توخّي أساليب التفنيد والإعتراض المشروعة ديمقراطيّا وحضاريّا لإقامة الحجّة والبرهان… أو البناء عليه في صورة صحّته وصدقه وهذا ما يضفي على المعارضة صبغة -الوطنيّة- وينفي عنها الإنتهازيّة وإعمال معاول الهدم لمجرّد النّكاية بالسلطة الحاكمة.. وهذا أيضا ما يؤهّلها لكسب الرأي العامّ الشعبي ويجعل منها أهلا لأن تكون البديل القادم…
فهل ستتخلّص -المعارضة- من هذه المكانة الرديئة وتوحّد جهودها ووجودها وتعمل على الإرتقاء في تفكيرها، تشخيصاتها وتدخّلاتها على طريقة المعارضات الصّحيحة في الديمقراطيّات العريقة ؟ أم ستبقى على غبائها وغوغائيّتها لتكون كرة تتقاذفها الأهواء والتشغيل عن بُعد لتحصد في الأخير كمّا من الأصفار والفواصل كنتيجة للإنتخابات القادمة ؟؟؟ هذا ما سيخبرنا به قادم الأيّام..