صويحبات الغنّوشي

نور الدين الغيلوفي
قراءة انتقائية تآمرية لا براءة فيها 
من وحي كلامهنّ…
تنويه:
ليس راشد الغنّوشي مقدَّسا ولا هو فوق النقد.. هو رجل يخطئ ويصيب له ما له وعليه ما عليه مثل غيره من قادة الفكر وزعماء السياسة في بلادنا وغيرها.. لك أن تقول فيه ما شئت.. ففكرته لا تعدو كونها اقتراحا لك أن تزنه بما شئت من موازينك لتوافقه أو تعارضه.. ولكن من حقّي، متابعا لبعض شؤون الفكر وبعض أحوال السياسة أن أفخر ببلادي أمّ الثورات التي نشرت الحرية لتعمّ الجميع ولا تستثني أحدا، ومن حقّي أن أناديَ بمناخ أقلّ تلوّثا يلتقي فيه الفرقاء على ما ينفع الناس ويمكث في الأرض في نضج يختفي معه الحمقى من تصدّر المشهد والهيمنة على المجال…
في هذا المقال كلام وكلام عليه.. والكلام على الكلام صعب لجهتين:
الجهة الأولى: يصعب الكلام متى كان الكلام الأوّل بمثل ما جادت به قرائح المعلّمين الأساطين التاركين في الدنيا دويًّا يعسر ميزه وفصل القول فيه..
والجهة الثانية: يصعب الكلام متى كان الكلام الأوّل أجوف كطبل الخرافة.. ولكنك تحتاج وصف الفراغ أحيانا لتَمِيزَهُ من ضدّه…
الكلام:
تدوينة باللهجة العامية لأستاذة جامعيّة جاء فيها:
( 3 حويجات نقولهم للغنوشي قبل ما يقدّم بينا قضايا:
• آش عملت في القضايا اللي رفعتهم ضدّك عبير موسي؟ خنقتها بالمخدّة ؟
• ناس بكري قالوا كلام يتنحت في الحجر من نوع : إلّلي ما تعرفش تشطح اتقول الأرض عوجة.. إللي اعطاه البَيْ حصان يركب ويدلدل رجليه… الفلوس تحيي النفوس… وتطهّر المنجوس… وترد الشّايب عروس.. ناس فضة وناس نحاس… ناس كيف الملائكة، وناس كيف الوسواس الخناس. ناس تتباس، وناس تستاهل الضرب بالمهراس.. الزمان تعكس الورد تقلع والبصل تغرس.. وأحنا ضربنا باللسان ومعولنا الفكر وقراءة واقعنا اللي سودتوه بتاريخ 7 سنوات.. وإن كنت ناسي أفكّرك.. وفي الأخير قالو: يا مشومة يا مبلية اللي فيك ردّو فيّة.. وخانها ذراعها قالت مسحورة
• الحويجة الثالثة: ما قالولكش أنّ أصعب المواجهات هي مواجهة ذاكرة المجتمعات.. وهذي دفعة على الحساب حتى يأتينا الجواب.. وبرّا اشكي للعروي).
الكلام على الكلام:
لا أظنّ أن لجوء أستاذة جامعية إلى اللهجة العاميّة، وهي الجالسة على كرسيّ الحضارة العربيّة المبرَّزة في علوم لغتها العارفة بمسارب التأثير والإقناع بها، وهي تخاطب رجلًا يُفترَض أنّه تقليديّ يتحدّث العربية الفصحى، هو من باب ما يسمونه “الشعبوية”، إذ أن الأستاذة تنتمي إلى تلك الفصيلة الجامعية التي لا حاجة بها إلى الشعب مطلقا لأنها لا تنتسب إليه، في الوجه الذي اختارته لها من مشاغل تفكيرية على الأقلّ.. ولا صلة لها بعموم الناس ولا بالمجتمع إلّا ما كان من باب الادّعاء حرصا منها، هذا إذا حرصت، على منزلة ترى نفسها أعجز عن الظفر بها.. ولم نسمع يوما أنّها كانت معنية بما يعيشه الشعب الكريم.. وحتى تلك السجالات التي كانت تخوضها، من غير كفايات ولا أدوات، كانت محض سجالات أكاديمية لا صلة لها بمعيش الناس ولا بهواجسهم ولا بأشواقهم.. وحين كان الشعب يعاني ظلم السلطة ويدفع فاتورة فساد محيطها، كانت الدكتورة تمارس فرحها بالحلقة الأولى من لقبها الجديد.. وقتها كانت تنام مع الواقع نومة العسل.. بل كانت ممن استفادوا بنهم منقطع النظير من سنوات رماد عشش فيها التجهيل الممنهج الذي توخّاه بن علي ليقضيَ على المدرسة التونسية.. ومن ذلك تدحرجت جامعاتنا، وقد أشرفت عليها خفافيش التجهيل، إلى القاع في ترتيب جامعات الدنيا…
وأكبر ما يضير من تلك الأستاذة، ولا يضرّ في شيء، أنها تملك وقاحة تخوّل لها الخوض فيما لا تعرف.. فهي تفهم في اللغة والفكر وتفتي في الدين والثقافة وتقول في السياسة والأحزاب وتنظّر في الحريّة والديمقراطية وتدلي بدلوها في علوم البحار والمحيطات.. أمّا إذا أحبّت أن تشكوَ فهي “تشكي للعروي”!..
ويبدو أنها من (نخبة) نسويّة متيَّمة بطريقة أو بأخرى بالسيد راشد الغنوشي، يلاحقن شوارد أقواله ويتابعن مواردها ليذكرنه بسوء ظاهر ولكنّه يخفي انفعالات لا حدّ لها تحتاج مختصين في علوم النفس ليشرحوها…
في مناسبة سابقة كتبت مناضلة حقوقيّة قديمة تدوينةً على صفحتها ذكرت فيها (راشد الغنوشي) بالاسم ودعت عليه، كما تدعو الْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا على من أعجزهنّ ولم يجدن إليه سبيلا.. رمت المناضلة المذكورة وقتها الرجل بمجامع قبضتها العجائزيّة فقالت: “إن شاء الله تلقاه بين وجهك والكفن.. هاذي دعوة كانت المرحومة والدتي تدعي بيها”.. ولأنّها ليست من أهل العقوق فقد حاكت لهجة والدتها ناسية ما ظلت تحمله دهرَها من حقوق.. رمته بما أوتيت من ميراث أمّها وقد أعياها عجزها عن إصابته بما تستطيع هي…
نعود إلى “حويجات” الجامعية الكبيرة.. في الحقيقة لا يبدو في ما كتبته شيء يستحقّ تحليلا ولا نقاشا.. ولا إشكال في ما دوّنته.. إنّما هو هراء في غير سياق.. ولكنني سأعمد إلى تأويل ما لا يُتأوَّل من كلامها “اللي ما يجي شيء” لعلّني أجد قولا في ما لا يقال.. من باب السخرية والتحقير على أقلّ تقدير.. وحتّى نعرّيَ فراغ هذه الفصيلة المتربّعة على كراسيّ المعرفة في بلادنا…
أوردت الأستاذة في تدوينتها أقوالا جمعتها ولا رابط بينها غير ما أرادت من الإيحاء به.. إيحاءات ركيكة تصيبك بالغثيان إذ لا أدب فيها ولا قريحة..
• ففي “حويجتها” الأولى ذكرت (عبير موسي؟) و(خنقتها بالمخدّة ؟).. ولك أيّها القارئ أن تفهم ما في “بطن الشاعر” من إيحاء أيروسي افهم منه ما شئت.. وإن استعصى عليك الفهم فعليك بالمخدّة وإحالاتها وإيحاءاتها.. وسيطول عليك التفكير في فعل الخنق تتساءل لم استدعته الأستاذة.. وأرسل عنان خيالك يأتك بالمشتهى…
• أما في “كليمتها” الثانية فسترى عمق “خابية” الأستاذة التي تنهل من معينها.. ولن تذهب بك بعيدا عن مداها الأيروسي الذي يَفْتِكُ بخطابها.. ولك أن تبدأ من معجمها بالمثيرات (تشطح.. عوجة.. حصان.. يركب.. يدلدل رجليه.. تطهّر.. المنجوس.. عروس.. فضة.. نحاس.. الملائكة.. تتباس.. الضرب.. الورد تقلع.. وأحنا ضربنا باللسان.. إن كنت ناسي أفكّرك.. مشومة.. مبلية.. فيك.. فيّة..) وختمت رسالتها الابتدائية بعبارة (حتى يأتينا الجواب).. وأظنّها ستقضّي بقية أيامها في انتظار أن يأتيَها الجواب.. ولن أراه آتيها.. لأنّ الرجل بلا فراغ يدرّه عليها.. وقد سئل ذات مرّة في شأن تلك القديمة فقال عبارة له شهيرة (لقد تصدّقت على هؤلاء بعرضي).. ولا أظنّه يبخل على اللاحقة ببعض الصدقات.. وعِرضه وافر لم يُكلَم…
تكفيك عبارات الأستاذة لتصنع منها نصّا أيروسيا بامتياز.. ولك ألّا ترى في باقي المفردات غير فضلة تدلّ على ضرب من العِيِّ يبديه لك ملفوظها وما يأتيه قلمها من عطب في المعاني لم تنجح العامية في التغطية عليه.. ولست أرى لعِيِّها من دواء…
حين قرأت الأمثال المنتقاة في “كليمتها” الثانية عرفت خواء الأستاذة وفقر معجمها.. فهي الباحثة في النصوص المفكّكة للأفكار الداعية إلى الإبداع لا تجد من الكلام لتعبر عن نفسها سوى (ناس بكري قالوا كلام يتنحت في الحجر).. فما الإضافة التي عساك تقدّمينها، يا أستاذة، إن أنت صرفت عمرك في نحت كلام ناس بكري في الحجر؟ لا أظنّ أنّ ما تبقّى لك مع عمرك الافتراضي، أطال الله عمرك، كاف لتكملي منحوتتك الأثيرة…
ودعك من تصنيفها العنصري للناس (ناس.. وناس).. ولا تلتفت إلى لهجة العنف التي تسكن خطابها من قبيل (خنقتها.. المنجوس ..الضرب بالمهراس.. تقلع.. ضربنا.. ومعولنا..) فليس ذلك من بنات فكرها ولكنه كلام مأثور لا يبدو أنّها فهمته وأنّى لها.. وستشفق عليها من فرط سوقيتها في ختام قولها (وبرّا اشكي للعروي).. وسترثي لمن جنت عليه المقادير بأن يجلس يوما بين يديها طمعا في علمها وفهمها، من طلبة الجامعة التونسية المنكوبة…
تلك.. وتلك.. ومثيلاتهما يبدو أنّهنّ معنيات بالغنّوشي من بعض الوجوه.. وعباراتهنّ العاميّة الموغلة في السوقية قد تدلّ على كثير من المواجد التي لديهنّ من الرجل أو به أو عليه في انفعالات تحتاج مختصّين للنظر فيها بعيدا عن التأويلات الإيديولجية السطحية.. هنّ يهاجمنه كما لا يهاجمه الرجال لأمر كامن في شخصيته لا يثير غير فئة معيّنة بين عناصرها نقاط مشتركة كثيرة لعلّ بعض علماء النفس بيننا يكتشفون لنا أثرا في يوم ما اسمه (أثر الغنوشي / Effet Ghannouchi)…

Exit mobile version