بحري العرفاوي
ألفة يوسف التي قاضت الإعلامي محمد الحمروني وفنان الراب بسيكوآم في 2009 مستقوية بنظام بن علي تعلق اليوم على لجوء النهضة للقضاء لتتبع مشوهيها بالقول :
“النهضة تهدد بأن تضع من ينتقدها في السجون، وغنوشيها يهدد بحرب أهلية”.
مع كل التقدير لألفة يوسف وكل المحبة للغتها العربية المنسابة من بين شفتيها زلالا حين كنت أتابع برنامجها في القناة السابعة “كتاب في دقيقة” وقد عبرت لها عن إعجابي ذاك حين جاءت محاضرة في منتدى الجاحظ.
ومع كل الاحترام لمواقفك السياسية وتقديراتك وربما أتفق معك في بعضها كما أختلف.
فإنني سأتوقف عند “سلوكك المعرفي” وليس عند “معارفك” حين أجد أنك تتصرفين مع مخالفيك بغير ما يستدعيه الفكر وما يُنتظر من مفكر ومثقف مثلك.
حين كتب الصجفي محمد الحمروني بجريدة “العرب” القطرية يوم 13 أفريل 2009 مقالا بعنوان “صفحات فايسبوكية تسخر من الرسول صلى الله عليه وسلم” وهو يعلق على منتدى فايسبوكي تشرفين عليه أنت، لم تكلفي نفسك كتابة نص للرد عليه وإنما سارعت لمقاضاته بتهمة التشويه والتحريض وحتى “التكفير”… لم تُراعي يومها أن الرجل ملاحق أمنيا ويكدح ليلا نهارا بصحيفة “الموقف” بأجر 300د شهريا كي يُطعم ابنته الصغيرة وزوجته الشابة.
لم يكن عندك ميزان عقل ولا روح مؤمنة ولا عاطفة أنثى كنت متعالية مستقوية بقبضة بن علي.
لم تسحبي قضيتك إلا بعد مقالي الذي نُشر بتونسنيوز وحوارنت وعلى الفايسبوك بعنوان “صبيان الثقافة” وبعد ظهوري لأول مرة في قناة “حنبعل” بدعوة من برهان بسيس لأرد عليك وأذكرك بأن محمد الحمروني ليس من العوام وإنما هو مناضل مثقف ودارس فلسفة (بن علي تابع بنفسه الحلقة قبل بثها).
•••
هذا مقالي أذكرك به:
صِبْيَانُ الثقافة !
“صبيانٌ” ! وليسُوا أبرياء!.. يختلقون الخصومات، يُخاصمون بطرائق غير مطابقة للمعايير “الرجولية” (قال واحدٌ من هؤلاء في ندوة: القولُ بقوامة الرجولة فيها امتهان للمرأة! أجبتهُ بكونه يُخلطُ بين الرجولة والذكورة! إذ ليس كل الذكور رجالا. فالرجولة قيمة إنسية لا جنسية، والمعترض ذاك قد لا يكون معنيا بخطاب القوامة -إن كان من المعطوبين أو كان من المَرْبُوكين-، وقد لا تسمحُ لهُ زوجتهُ القائمة بأن يكون قوّامًا على البيت!).
صبيانٌ.. يستعرضون قدرتهم على فعل وقول ما لا يُستساغ عقلا ولا ذوقا.. يتسابقون ويتصارخون ويسخرون ممن يبدي انزعاجا أو اعتراضا أو امتعاضا.. يتهمونه بالشيخوخة الفكرية وبالأعطاب النفسية وبالتصحر الروحاني.. يتهمونهُ بتعطيل الاندفاع نحو…! يسبون وينعتون بالمؤذيات والمهلكات لا يُراعون إلا ولا ذمّةً ولا يلتزمون آدابَ قولٍ (قال أحدهم أنا أديب ولستُ مُؤدّبا)!!
صبيانٌ في عمر الكهولة والشيخوخة -لا حرج على شاباتنا وشبابنا حتى يُجربوا-.
و”العجوز” تطلق على المؤنث والمذكر ولكن في العطب نحتاج تاء التأنيث فيقال معطوبة على وزن مفعولة ولا يقال فعولة كـ”عجوزة” أو “عجولة” أو”لعوبة” تلك أخطاء في اللغة شائعةٌ..
صبيان من المتصابين ممن خذلتهم ثقافتهم المترهلة يخوضون بها في غير معترك لا يتجرأون على معالجة أوجاع الناس من بني أمتهم أو قريتهم ويلوون أعناقهم إلى حيث لا ينظر أحدٌ… يقصدون… يُريدون صرف أنظار الناس عن عرش السلطان وعن خبز الجوعان وعن سيف السجان إلى عرش الرحمان! يُجادلون في دلالات الاستواء وفي حجم الميزان… يقصدون… يودون تشريد الناس في حقول من البحث رملية أو صخرية لا يُطمأن فيها إلى فكرة أو مبدأ… يقصدون… يحرصون على تمييع المصطلح وتلوين القيم فلا يكون “حق” ولا “حقيقة” ولا احتكامٌ إلى مشترك أو معلوم بالفطرة والضرورة.
الصبيان الصبية المتصابون أولائك ينتشون إذ يُؤذون ويستفزون غيرهم في أفكارهم ومعتقداتهم.. يقالُ إن المصابين بـ”الصادية” يستلذون إيذاء غيرهم -ولا يكون الإلتذاذ بالحواس فقط- ويتمادون في التعالي وفي الأوهام حتى إنهم ليكادون يُصدقون كونهم بلغوا من المكانة مبلغا يُوجب لهم التبجيل والإجلال!!
المتصابون أولائك وهم أدعياء ثقافة! وهم مترهبون في محراب الحداثة والحرية..
لا يتحملون نقدًا ولا يتسامحون مع اختلاف… يذهبون فورًا إلى “القضاء” ويستصرخون أولياءهم من المتصابين يُعدّون طقوس محاكم التفتيش الحداثية.
لقد تأكد أن الصبيان الأكثر تهريجا همُ الأكثرُ استنادًا إلى “جدار” يعتقدونهُ حاميا لأخطائهم… الصبيانُ أولائك يدخلون المظالم والتطاول والإستفزاز وهم مطمئنون إلى كونهم في حماية جهات “مقتدرة”!! عقلية عشائرية وبدائية يحيا بها أولائك يُلبسونها لبوس المعاصرة والمدنية… متى كانت الحوارات توزن بميزان القضاء والعقل أعدل ميزان ؟. لماذا يجرأ المتصابون أولائك على الذات الإلاهية وعلى الأنبياء ولا يتسع صدرهم لسوء فهم أو سوء تقدير أو سوء تعبير عن حسن تقدير في حقهم؟!
محمد بن عبد الله (ص) حَوّل وفي دقائق أشدّ خصومه -وقد جاء يقتلهُ- صديقا وصحابيا يُحبه ويُصدقهُ ويروي أحاديثهُ… أليس من حق ومن واجب مَنْ أحبهُ أن يُدافعَ عنهُ إذا ما أسيء، أو فهم أن قد أسيء إليه؟! أيها الحداثيون العقلانيون ألا يحق لمن تجلدونهم باستمرار في معتقداتهم ومقدساتهم وقيمهم أن يدافعوا عما يعتقدونهُ حقا -مع ضيق مساحات الدفع وفرص التبليغ-؟!
الصبيان، الصبية، الصبيانيون، المتصابون أولائك يرتمون في دلال ثقافي جدا بأحضان أوليائهم كلما همّ “رجلٌ” بضبط اندفاعهم وكف تهريجهم وكشف فراغهم… يهرعون إلى ذويهم وأولياء أمرهم يشكون إليهم ما لحقهم من “أذى” ومن “خدش” ومن “مسّ بقداسة ذاتهم” إذ يتوهمون أنهم على كرامات إبداعية وحداثية كبيرة..
هؤلاء يتهمون خصومهم بـ”التكفير” حين يعيبون عليهم نيلا من الذات الإلاهية أو من شخصية نبي الإسلام (ص) أو حين يستنكفون الخوض معهم في مهاترات “المعطوبين جنسيا”… ولكنهم لا يتحرجون من جر مُخالفيهم أولائك إلى المحاكمات -سلوك مدني يزعمون- ولكن هل سيجدون أمام القضاء جوابا على مواقفهم من المسائل الواقعة تحت ماكينة “الـتأويل”؟
“المحاكمات” إحدى مكونات مناهج الفكر المعاصرة يبتدعها المتصابون أولائك مازالوا يتوهمون أن “الحقيقة” صنيعة المضغ الإستبدادي وأن المراتب العلمية تنتزعُ باستصراخ “الغالبين”!!
للنقد أدواتهُ “الدامغة” وللدماغ المعطوبة كم نقدًا لكي تشتغل! وللمثقفين المتكلمين سواتر من رمادٍ يلجأون إليها كلما شكّوا في صدق ما يذرُون!!… للحقيقة أبصارٌ وبصائرٌ… ولنا أيها الماشون عند ظل الميزان مقيلٌ.
بحري العرفاوي
تونس: 20 أفريل 2009
•••
ثم أذكرك بأنك سارعت أنت وسوسن معالج يوم 17 ديسمبر 2010 بتقديم شكوى لوكالة الجمهورية لمقاضاة فنان الراب الشاب محمد الربيعي (بسيكو آم) بسبب أغنية تعرض فيها إليكما بالنقد ولم يهددكما وكنتما تعلمان ما قد كان يلحق به من أذى في ظل نظام يخشى أي صوت شبابي ينافح عن الهوية وكنتُ أنا من دافع عنه بقصيدتي التالية:
“بسيكو آم”
-دفاعًا عن حرية الكلمة حتى لا يُقاضى ذُو صَوْتٍ-
هل قذفتَ بسلاحٍ
أم نطقْتَ بكلامْ؟
أيُقاضَى منْ يُغني
أيُقاضى بسيكو آمْ؟
أيّ فكرٍ مُستنيرٍ
يستلفّ بظلامْ؟
ويخافُ من نشيدٍ
يشتكي في كل عامْ؟
لا تهَبْهُمْ أنتَ حُرٌّ
ولْتُغَنِّ بانتظامْ
هذه الدنيا اندفاعٌ
واتجاهٌ للأمامْ
لا تهبْهمْ لا تهبْهمْ
إنكَ وسْطَ الزحامْ.
(شاعر تونسي)
•) هذه القصيدة مهداة إلى الشاب بسيكو ام (محمد الربيعي) بعد القضية العدلية التي رفعتها ضده كل من ألفة يوسف وسوسن معالج.
د ألفة يوسف: المثقفون رسل أقوامهم وأنبياءُ عصرهم يُنتظر منهم أن يكونوا منتجي معان وفالقي صُبح وباعثي أمل ومُصلحي شأن وكاسري حواجز بين الأحزاب والسياسيين وأصحاب المعتقدات… إن اللغة العربية التي تنسابُ زلالا من بين شفتيك تؤهلك لكي تكوني منارة وعلامة و”أختا” لكل السياسيين ولكل الباحثين عن “المعنى” و”القيمة” في عالم تعصف به جاذبية “الأشاء”.
مع وافر المودة وعالي التقدير // الشاعر بحري العرفاوي فجر الأربعاء 14 فيفري 2018