المقطع المصور حماة الشريعة لـ ولاية سيناء

مصطفى زهران

يعد الفيلم الأخير لـ “ولاية سيناء” أحد الأذرع الولاياتية التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية “داعش” والمعنون بـ “حماة الشريعة” من حيث توقيت الإصدار من جهة والجودة التقنية من جهة أخرى -فى وقت يعانى التنظيم خلاله من انحسار جغرافي وتضييق أمنى من “المركز” إلى “الأطراف” داخليا وخارجيا في الإقليم- من أهم وأقوى الإصدارت بل وباكورتها في العام الميلادى الجديد 2018 م.

الفكرة الرئيسة التى يحملها المقطع التسجيلي المصور ترتكز على أن الحاكمية لله تعالى في أمور البلاد والعباد وإسقطاتها على الداخل المصري “إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ” وما يقتضى من الإقرار التام والخالص بالتسليم به طوعا، إذ أن طريق الشرك لا يأتى بـ “التوحيد” كما ورد بالمقطع التسجيلي المصور، لذا فمن أوجب الإيمان بتلك القضية ولترسيخها في الواقع المعاش ولابد من الرفض التام لكافة الأشكال التى تناقض هذه الغاية، والتى يقف على رأسها في هذه اللحظة “الإنتخابات” كألية ديمقراطية تراها هذه التنظيمات المتشددة -خاصة “ولاية سيناء”- ألية كافرة يجب اسئصال شأفتها، ومع اقتراب الإنتخابات الرئاسية المصرية في شهر مارس القادم 2018 يتجلى بوضوح السبب الرئيس لتوقيت الإصدار وخروجه في هذا الوقت على وجه التحديد، وانطلاقا من هذا التصور تتفرع أسباب أخرى ونتائج هامة حملتها رسائل هذا الإصدار نجملها على النحو التالى:

1. هدف الإصدار إلى إظهار كافة التيارات الإسلامية وتمثلاتهما الحزبية خاصة السلفية منها تحديدا حزب النور السلفى ورموز الدعوة السلفية السكندرية فضلا عن جماعة الإخوان المسلمين وذلك عبر محطات سياسية متعاقبة منذ ثورة الـ 25 من يناير وحتى اللحظة، على كونهم أحد شركاء الأليات الكافرة -حسب وصفهم- من إنتخابات وصفت بالديمقراطية وما شابه والتى تعد معارضة صريحة ومجابهة مباشرة لحكم الله في أرضه، ما يعنى بطبيعة الحال ردتهم وكفرهم. فيما حاول التنظيم على برهنة ذلك من خلال إظهار مآلاتهم التى أضحوا عليها في الوقت الراهن، من انتفاء لوجودهم وتراجعم السياسي والمجتمعى مع وجود كافة رموزهم وقياداتهم إما داخل السجون أو في المنافى. ما اعتبره التنظيم عقابا إلهيا على ردتهم وقبولهم بأحد أدوات مجابهة الله ومعارضة مبدأ “الحاكمية لله” من خلال القبول والتسليم بـ “الديمقراطية الكافرة حسب وصفهم”.
بالتوازى مع ذلك سعى التنظيم نحو التأكيد على أن “الأهواء والمصالح الذاتية والحزبية” هى الأساس الذى انطلقت منه تلك التصورات لدى تلك التيارات والأحزاب الإسلامية، وليس انطلاقا من الدين وأولوياته الفقهية والعملياتية، وفي المحصلة سعى التنظيم نحو كسب نقاط على حساب خصومة من الإسلامين على وجه الدقة قبل أن ينتقل إلى مساحة أخرى من معركته التى طرحها داخل الإصدار، وذلك عبر تقديم نفسه “المرجع الأوحد للحالة الإسلامية” في اللحظة الراهنة في الداخل المصري بعد ما قام بأشبه بتعرية التيارات الإسلامية الأخرى الموازية له.

2. أبرز التنظيم من خلال مقاطع مصورة تحذيرات الرئيس المصري للتنظيم في سيناء، فيما تكررت كلمته “بكل العنف” أكثر من مرة داخل الإصدار، مصاحبة لمشاهد لمنازل وديار دمرت في الداخل السيناوى نتيجة للعمليات العسكرية للجيش المصري القائمة منذ سنوات، حاول التنظيم توظيف تلك المشاهدات المرئية في التأكيد على أن سيناء ضحية لتلك العمليات بعد أن جردها من أهدافها الرئيسة وهى القضاء على التنظيم هناك.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل ظهر في المقطع التسجيلي المصور جنود لـ “ولاية سيناء” يقومون بمواجهة الجيش المصري ويفسر التنظيم ذلك على أنه للحؤول دون هدم المنازل والديار، وذلك بهدف كسب الحاضنة الشعبية المجتمعية للمجتمع السيناوى خاصة بعد تداعيات حادث الروضة الأخير وحجم الإستنفار السيناوى تجاه التنظيم المتشدد، ورسالته واضحة بكونه يمثل قوة حماية للداخل السيناوى وليس شريكا فيما يحدث من مشاهد مأساوية في المحيط المجتمعى والحياة المعيشية هناك.

3. كان المشهد الأبرز الذى حمله الإصدار والذى من المتوقع أن يثير جدلا واسعا حوله، هو الإعلان المباشر عن مقتل أحد أفراد التنظيم وهو الشاب “عمر إبراهيم الديب”، إذ كان من الممكن أن يمر المشهد طبيعيا شأنه في ذلك شأن بقية المنتمين للتنظيم المتشدد لولا أن والد الشاب الداعشى أحد قيادات جماعة الإخوان المسلمين، وقدم الإصدار ملخصا موجزا لسيرة القتيل الداعشى أو الإخوانى السابق مذيلا بحديث له يتوعد ما أسماهم بـ “المرتدين” و”الكفار” و”الأحزاب”. مشددا على البيعة لدولة الخلافة وأبو يكر البغدادى، وذلك قبيل وفاته في إحدى العمليات لولاية سيناء وكلت له ورفاقه في القاهرة، ما يؤكد على أن الولاية تتقاسم المفارز الأمنية التابعة للدولة الإسلامية (مصر) العمليات خارج سيناء، ما يعنى أنها قد تخضع لوحدات عمل مشتركة ولقاءات بينية لا تقف عند أسوار سيناء وأطرافها، وهدف التنظيم من خلال إبراز دور الديب القتالى مع التنظيم -التأكيد على ردته على فهم وطبيعة التكوين الإخوانى الذى تربي عليه بحكم انتمائه الإيدلوجى السابق والعائلى أيضا لجماعه الإخوان المسلمين، مع التشديد على رفضه لما أطلق عليه في الإصدار “السلمية المقيته”- توظيف وتعبئة وحشد فئات أخرى من الإسلاميين خاصة داخل هذا البعد الجيلي من الناقمين والباحثين عن الثأر أو من لديهم إرباك فكرى حول جدوى العمل السلمى، هذا من جهة.
ومن جهة أخرى برهن على أن العمليات الأمنية والعسكرية الأخيرة خلال العام الفائت قضت على أعداد كبير من التنظيم وهو في حالة عوز للدفع بوجوه جديدة في معركته القائمة مع الدولة والسلطة المصريتين خاصة مع التراجع والإنحسار الجغرافي للتنظيم في معاقلة الرئيسة وانعكاسات ذلك عليه.

وفي النهاية: حذر التنظيم الشعب المصري من الإقتراب من أماكن الإقتراع والمشاركة في العملية الإنتخابية القادمة لبحث منصب رئيس الجمهورية، ودعا إلى استهداف ما أسماهم برموز الكفر من خلال كلمة القيادى الداعشي بالولاية “أبو محمد المصري” بنبرة حادة كلها تهديد ووعيد، ما يعنى أننا قد نتوقع عدد من العمليات الإرهابية المستقبلية تزامنا مع تلك الإنتخابات، وهو ما يعكس أن التنظيم حتى اللحظة يظل إعلاميا وألياتيا قائما في المشهد المصري ويخوض معركة إعلامية قوية ومفتوحة إذ أنه لم يبدأ بالعملية العسكرية الأضخم في مصر منذ عقود في سيناء والحدود الغربية لمواجهة التنظيمات المتشدده وإنما جعلها مشهد النهاية دون تعقيب منه لأمران:
اولهما: ليترك المعركة مفتوحة بينهما، ومشددا على أنها بدأت إحدى أهم فصوله في اللحظة التى توجهت خلالها تلك القوات العسكرية المصرية الضخمة إلى سيناء، مع إبراز دور تشويقي للمشاهد بأن لهذا الإصدار نسخة أخرى تبدأ من حيث انتهى، ستتناول كيف واجه التنظيم هذه القوى العسكرية والأمنية الهائلة.
ثانيهما: تحيلنا إلى فرضية أن التجهيز لهذه المادة الإعلامية ربما كان منذ قترة طويلة وقبيل البدء في العملية العسكرية، وحين الانتهاء منه أعلن عن تلك الحملة. ورغب التنظيم على أن يقدم نفسه ملما ومستوعبا لحجم التحولات والمتغيرات التى تدور من حوله خاصة في الداخل السيناوى، ما دفعه إلى التأكيد على أنه حاضرا في المتن لا في الهامش ويراقب المشهد من حوله ومستعدا له نوعا ما ويأتى ذلك ضمن المعركة الإعلامية القائمة بين التنظيم والدولة المصرية..

Exit mobile version