إمرأتنا بين غلو الفقيه وسطوة السفيه

عبد القادر الونيسي
دعيت للمشاركة بمداخلة في الندوة المقامة بنزل إفريقيا للرد على توصيات لجنة بشرى بن حميدة ومن أهمها المساواة في الإرث وإنتساب الولد لأمه…
لم أتمكن من إلقاء مداخلتي فرأيت نشر بعض ما جاء فيها لتعميم الفائدة إن وجدت.
مع إحترامي لمنظمي هذه الندوة فإني أخشى السقوط في فخ ردود الأفعال وهي الدائرة التي يريدون حشرنا فيها.
ردود الأفعال كانت تعتبر بطولة زمن الديكتاتورية لكن هذا الزمن ولى وانقضى.
زمن الحرية هو زمن الفعل هو زمن تخليص العقل الفقهي والتشريعي من سطوة السلطان.
على مدى عصور من تاريخنا كان السلطان يشرع والفقيه يزكي. اليوم في تونس لم يعد للسلطان سلطة على الفقيه.
المرأة لم تضطهد بإسم العلمانية فحسب بل تم ظلمها كذلك بتوقيع الفقيه. علينا أولا أن نعتذر من المرأة التي ظلمت على مدى قرون باطلا بإسم الإسلام.
علينا أن نعتذر لإمرأة الحداد التي أهينت بإسمنا ونال صاحبها من الأذى ما لا يأتيه صاحب المروءة والدين.
الذي كفر الحداد وافترى عليه ذهب صاغرا راكعا أمام إمرأة بورڨيبة.
الإعتذار يقتضي منا بالإعتراف أن المنظومة الدينية استعملت ولا زالت لإهانة المرأة وتبضيعها والإعتداء على كرامتها.
الآن في تونس وقد تخلص الفقيه من سطوة السلطان عليه أن يدرك أن الزمان لم يعد زمن الردود والمماحكات والحواشي وحواشي الحواشي.
المطلوب الآن وحالا التفكير في مدونة جديدة للأسرة وللمرأة تنطلق من أين وقف الحداد يشترك الفقيه وعالم الإجتماع ورجل القانون وخاصة المرأة في نحت معالمها.
علينا جميعا مساعدة المرأة من خلال فقه تشريعي معاصر متصل بالأصل ومنفتح على العصر يرفع الوصاية عن المرأة، يوفر لها الحرية ويحقق لها ذاتها ويمكنها من الدفاع عن عقيدتها وكرامتها لأن القادم أدهى وما توصيات لجنة بشرى إلا “شوية فكة” على الحساب.
صحيح يجري إعتداء على المرأة بإسم العلمانية المنفلتة لكن المطلوب اليوم هو عدم تطويع الدين وقراءته الذكورية التي تحن إلى تشريعات أبي جهل أكثر من حنينها إلى تشريعات محمد صلى الله عليه وسلم.
تضطهد المرأة الآن في تونس وفي العالم العربي خاصة بإسم السلفية ويستباح جسدها دون رضاها وتصادر حريتها وتهان كرامتها.
المطلوب الآن هو كيف تكون المرأة مسلمة حرة، كيف تكون شقيقة للرجل كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “النساء شقائق الرجال”.
نريد المرأة التي رباها محمد عليه الصلاة والسلام.
المرأة المسلمة هي خولة وهي تعارض عمر بن الخطاب وتفحمه بالحجة فينصاع لها، هي شيماء ونسيبة وأسماء تقاتل مع الرجال في ساحات الوغى، هي عائشة معلمة الرجال، هي فاطمة الزهراء أم أبيها، هي أم سلمة دليلة رسول الله في أمور الدنيا، هي المرأة التي هزمت المغول بذكائها فأقبلوا على دين محمد أفواجا، هي كل عظيمة حملت حضارة الإسلام العظيمة قبل أن يضيعها الرجال…
إن لم نفهم هذا فسندفع المرأة إلى أن تلقي بنفسها في مدارك الغواية والضلالة.
لعل التاريخ دار دورته ورد إلى تونس ريادتها العلمية والفكرية وهي صاحبة الفضل بجامعاتها الأربع: الزيتونة والقرويين والأزهر وخاصة جامعة قرطبة منارة فلسفة الأنوار وتحرير العقل من الجاهلية.
لسان تونس الفقهي والفكري مطالب أن يسترجع هذه الريادة ويتبوأ دوره المرجعي التاريخي وقد تمزقت أوصال الأمة وأستبيحت بيضتها بإنتشار الفكر السلفي الوهابي المدخلي الذي أثخن الأمة بما لم يقدر عليه أعتى أعدائها.
العقل الفقهي في تونس وقد تحرر عليه أن ينطق بلسان المرأة المحاصرة بين فقهاء السلطان وبين فقهاء الفجور والثبور في شتى ديار الإسلام ولسان ملايين النساء المسلمات اللاتي قذف بهن الزمان خارج ديار الإسلام والعنت الذي يعانينه في موطنهن الجديد.
لعل الله اختار هذا البلد المبارك لتخليص من كانت وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم (استوصوا بالنساء خيرا) بوجوب إكرامها وإعزازها وتخليصها من غلو المغالين ومن فجور الفاجرين.
والله من وراء القصد.

Exit mobile version