الطيب الجوادي
لم أعد أذكر إسمها
ربّما يكون اسمها “حياة” أو “مريم”
أذكر فقط أنٌها كانت جميلة ولطيفة، وأنّنا كنّا ندرس معا في نفس الفصل سنة السيزيام وأنّها كانت البنت الوحيدة لأحد كبار الفلاحين في قريتي الكافية البعيدة، وأنها كانت مهووسة مثلي بالحكايات وبالخصوص حكايات المكتبة الخضراء، وقد أتينا على المتاح من تلك الأقاصيص في مكتبة مدرستنا، ثمّ أقبلنا على أقاصيص كامل كيلاني فاستوفينا ما توفّر منها والتهمنا كل ما وقع تحت أيدينا من أقاصيص أخرى استطعنا توفيرها من هنا وهناك، وفي لحظة ما لم نعد نجد أقاصيص نطالعها، ولم يكن من الممكن أن تمضي أيامنا رتيبة ثقيلة بدون جرعة الخيال التي تمنحها لنا تلك الحكايات العجائبية، فنبتت في رأسها الجميل فكرة لا تخطر على بال: أكتب لها كل يوم قصة خيالية من عشرة أسطر مقابل الحلوى الشامية والحلقوم وما تيسّر لها من دراهم!
وافقت على العرض دون نقاش، فهو يمنحني لاوّل مرّة في حياتي لقب: الكاتب!
كما يمنحني فرصة أن أكون قريبا منها طول الوقت وأن أظفر ببعض الأطايب والملاليم التي أرشو بها المنصف ولد عمّي كي يهتم ببقرتنا الوحيدة عندما اكون أنا بصدد الكتابة!
وكان لا بدّ لي ان اضطلع بهذه المهمّة الغريبة على أفضل وجه، فرحت أشيّد لها عوالم ساحرة تقطع الأنفاس، تزدحم فيها العفاريت والجن والأغوال والاميرات الفاتنات، وتتشابك أحداثها وتتداخل مما خلب لبّها وجعلها تستحثّني أن أكتب لها المزيد، حتى جاء اليوم الذي طالبتني فيه بالتوقف عن الكتابة وهجرتني للأبد، فقد كتبت لها أقصوصة بطلها شاب فقير يعيش في قرية يشتغل أهله بالزراعة، تعلق بفتاة فاتنة من أسرة غنيّة وراح يلحّ عليها أن تصطحبه للغابة ليبث لها لواعج قلبه، وفي الغابة اختطفها الغول والتهمها رغم توسّل العشيقين، ولم يدرك إلا متاخرا أنّه كان مجرد كويتب يعوزه الخيال، والدليل أنّه لم يحسن حبك الخاتمة، التي كان يجب أن تكون سعيدة وأكثر إشراقا خاصة وأنها أدركت أنها المقصودة بالحكاية.