مــا أتعسهم
زهير إسماعيل
لم ينجح ماكرون في مخاطبة التوانسة في سياقهم الجديد، رغم حديثه عن الثورة، وإنّٰما كان يخاطب “الجالية التونسية بتونس” بالعبارة الأثيرة للصديق مهدي.
وأمّٰا رئيس مجلس النواب، فيجب أن يساءل عن خطابه البائس باسم الثورة وباسم الدستور وباسم قوانين مجلس النواب نفسه، فهذه جميعا هي التي بوّأته تلك المنزلة.
هؤلاء الذين يدّعون البورقيبية بدا خطابهم لماكرون دون “اللهجة البورقيبية”، بل دون “اللهجة النوفمبرية” الهجينة.
الذين يمثلون الدولة من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب، مطالبون بكرم الضيافة، والترحيب بالضيف، ولكن بلهجة الثورة التي يمثّلونها رسميا وليس بلغة النظام البائد.
هناك أمران ما كانا ليغيبا عن خطابهم:
• الأوّل: تذكير فرنسا بموقفها المعادي للثورة قبل رحيل بن علي، ولو بصيغة: إنّ مسارعة فرنسا إلى مراجعة موقفها من الثورة يسّر تواصل العلاقات العريقة والمصالح المشتركة الكبيرة.
• الثاني: التأكيد على أنّٰ تواصل المصالح يجب ألاّ يحجب السياق الجديد، فقد كان النظام السابق يقاربها في سياق تقاليد الاستبداد التابع، ولن نقاربها اليوم إلاّ في أفق النظام السياسي الممثل ديمقراطيًّا، حتّى وإن كانت المصالح في السياق الوطني أقلّ من المصالح في السياق التابع. وفي ضوء هذا المعنى السيادي يشار إلى مراجعة اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي 95 ALECA فقد أبرمت في ظل نظام لا يمثل إلا نفسه، ومن المفروض أن تُنقّح وتُعرض على الاستفتاء الشعبي.
لا شيء من هذا… إلاّ خواء الأسماء الفارغة
تعساء… حتّى حديثهم عن الديمقراطيّة والحداثة وحقوق المرأة، كان أقرب إلى “هذه بضاعة ماكرون ردّت إليه”، وكانوا أعجز من أن يعبّروا عن أنّنا لسنا تلاميذ على الديمقراطيّة التمثيليّة وإنّٰما ستكون لنا إضافتنا المضمّخة بثقافتنا وقيمنا، وأنّنا بصدد نحت حداثتنا، “الحداثة المطلوبة” بديلا عن “الحداثة المجلوبة”.
لم يفهموا أنّٰه مع الفرنسي يجب أن يكونوا عربا مسلمين أفارقة، حتى لا يكونوا صدى باهتا للمستعمر القديم. ولم ينتبهوا إلى المغايرة إلاّ مع الأتراك، ولم يروا في أردوغان أكثر من عثمانيّ مستعمر (هم يعلمون أنهم فعلة الأتراك، ولو ساووا بين الاستعمارين لقبلنا على مضض)، بينما يغصّون بريقهم ويَبْلَحون، أمام ماكرون، بعبارة المستعمر وهم أجبن من أن ينطقوا بها وبما خلفه الاستعمار من مآس.
رحم الله صالح الڤرمادي