زيارة ماكرون والسلفية السياسية
عبد الرزاق الحاج مسعود
الناقدون لخطاب ماكرون لأنه لم يعتذر عن جرائم فرنسا الاستعمارية في تونس والجزائر والمحيطين الهندي والأطلسي والبحر الكاريبي والقطب الشمالي،
والذين يطالبون ماكرون بالإعتذار “على الأقلّ” عن الموقف الفرنسي من الثورة أثناء اندلاعها.
والذين يشنّعون على الرئاسة والحكومة والبرلمان جبنهم في مواجهة ماكرون ورميه بحقيقته الاستعمارية وبأنه سليل التاريخ الفرنسي الدموي الإمبريالي…
الذين يفعلون كلّ هذا باسم المبدئية والوطنية
يجعلون من السياسة معارك طاووسية سخيفة
ويصرّون على تجميد التاريخ في معارك الماضي
ويتدلّون لأرض السياسة بحبل الشعارات القصير.
فرنسا الاستعمارية توسّعت كما كان يقتضي النموذج الامبراطوري الذي كان يسود العالم كله وانخرطت فيه امبراطوريات بأسماء ورايات مختلفة من ضمنها الإسلام. فلا معنى لمطالبة كل من مارس الاستعمار والاستعباد بالاعتذار نيابة عن أجداده المفترضين بعد أن غادرت البشرية تلك المرحلة.
علاقات القوة والهيمنة والاستغلال والمنافسة تشقّ كلّ المجتمعات من الداخل، وما بين الدول والكيانات السياسية عبر التاريخ وفي كل الفضاءات الحضارية.
لكنّ البشرية تتقدّم، وإن بعسر ومشقّة وارتداد أحيانا (كما يحدث في الزمن الحالي الذي يشهد اهتزازات كبرى في علاقات القوة الدولية التي استقرت منذ الحرب العالمية الثانية).
لا توجد مصلحة واحدة لتونس في رفض زيارة ماكرون
ولا توجد حجة منطقية واحدة في مطالبة سياسيينا العاجزين بخطاب متطاوس يثبت لماكرون أننا أمة لها تاريخ طوييييييل وأنه سليل حضارة القتل.
مواجهة الأطماع والمصالح الفرنسية، وهي حقيقية وماثلة، لا تتمّ بتذكير فرنسا بماضيها الاستعماري معنا. فلن تعتذر فرنسا لأسباب تتّصل بكبريائها الثقافي الوطني الذي لا زال يلاحقها في شكل عقدة مرضيّة ويمنع جزء كبيرا من نخبها من الإقرار بتراجع الثقافة الفرنكوفونية أمام زحف الانجليزية على العالم. بل بالإقرار الواعي والخالي من كلّ شعور بالخوف بأن الديمقراطية التونسية المتعثرة أقرب إلى الروحية الفرنسية العقلانية منها إلى البداوة الوهابية السعودية والرعوانية الإجرامية الإماراتية والصلف الكهنوتي الإيراني، والعُصابية البوتينية القيصرية والبراغماتية التهريجية الترامبية.
لو نتذكّر قليلا ما كتبه فلاسفة فرنسيون (الان باديو مثلا) ومن كل العالم ( شومسكي مثلا والمرشح الأمريكي الاشتراكي ساندرز مثلا) حول الثورة التونسية وكيف أنها أعطت الأمل للفرنسيين أنفسهم وللشعب الامريكي الذي خرج في مظاهرات “احتلوا وال ستريت” رافعا شعار الشعب يريد، كيف أعطتهم الأمل في تجديد الديمقراطية الليبرالية الشكلانية الموجهة بلوبيات المال والاقتصاد، لاستعدنا بعض الثقة في قدرتنا على الفعل -بتدرّج وتواضع- وغادرنا نهائيا موقع ردّ الفعل المتشنّج والانفعالي الذي قد يشفي الغليل ولكنه قد يقتل العليل…
ونحن عليلون جدا.
تحية لصديقي نور الدين الختروشي (سأتحمّل عنك بعض الأذى).
أحييك من كلّ عقلي نور الدين.