عبد الجليل التميمي
السيد الرئيس،
بصفتي مؤرخا واكبت باهتمام بالغ نص خطابكم لتولي الرئاسة الفرنسية، وكان خطابكم مؤثرا جدا وجعلني أكثر تفاؤلا وتقديرا لكم. وأثناء استماعي لكم تساءلت كيف أن شابا قد خطط لخدمة وطنه عبر تبنيه سياسة وحركية جديدتين للاستجابة للرهانات الجيوسياسية والاقتصادية الضخمة والتي تواجهها بلاده ؟
وقد تساءلت لماذا تونس، بلد ثورة الربيع العربي، لم تحظى بزعيم شاب يستجيب لطموحاته والآمال المعلقة عليه من طرف الشباب، ذلك أنها منذ 7 سنوات توالت لدينا الخيبات والنكسات، وهنا يتحمل الإعلام المسؤولية الكبرى في هذه الفوضى وقد حاولت أن أفهم أسباب وتداعيات ذلك !
وقد تبين لي، حضرة السيد الرئيس أن سفير فرنسا بالبلاد التونسية قد لعب دورا سلبيا كما سوف تشرحه رسالتي إليكم.
وبعد انطلاق الثورة منذ سبع سنوات تبين لنا مع الأسف أن سلوكيات بعض السفراء الأوروبيين كان وراء ذلك، إذ بعض السفارات الأجنبية قد تبنت هذه المواقف مثل سفير فرنسا بالبلاد التونسية حيث كان سلوكه قد أثار غضب واستياء الجميع، وفي إطار العلاقات التونسية-الفرنسية فإن السيد السفير أوليفيي بوافر دارفور (Olivier Poivre d’Arvor) قد سعى بجهد جهيد وبشكل فاضح أن يفرض رؤيته خاصة في المجال الثقافي.
وقد شعرنا من خلال أسلوبه وممارساته برائحة الحنين إلى العهد الاستعماري، والدليل على ذلك تلك المنح التي بلغت سبعمائة ألف يورو وقدمت إلى عدد من منظمات المجتمع المدني، ولكن وبصفة أخص إلى وسائل الإعلام التي تستعمل اللغة الفرنسية حيث قدمت لها ثلاثمائة ألف يورو، لتؤكد إصراره لدعم شبكة اتصالاته الإعلامية والتدخل في الشؤون الداخلية التونسية في محاولة منه التأثير على الرأي العام التونسي.
وواقع الأمر هو أن الأستاذ عز الدين بن حميدة من تونس كتب مقالا كشف فيها المستور وهاجم المواقف المبيتة والهجومية التي تبناها السفير الفرنسي في وطننا خاصة بعد الحوار الذي أجرته معه مجلة Moyen Orient وقد علق بن حميدة عليه في مقال نشر من موقع نواة وتم كشف مدى التدخل السافر للسفير الفرنسي عندما صرح أن فرنسا قدمت تمويلا للصحف الفرنكوفونية بمبلغ 300 ألف أورو نتيجة الأزمة المالية التي تعيشها وتأسف السفير أن فرنسا لم تتمكن من صرف مبالغ أكثر.
أنه من المؤسف حقا أن يصرح السفير الفرنسي بهذه المواقف غير الدبلوماسية واللا أخلاقية تماما وغير المشرفة له ولفرنسا، ولمن قبضوا منه هذه الأموال.
لقد عشقنا العِلْم الفرنسي ورموزه عبر التاريخ, وللتذكير فإن مؤسستنا الأكاديمية قامت بتكريم 5 من أبرز العلماء الفرنسيين وهم Marcel Emerit, Robert Mantran, Louis Cardaillac, Charles Robert Ageron et André Raymond وهم الذين قدموا عبر مسيرتهم العلمية أفضل ما لديهم إخلاصا وحبا في المعرفة وللحضارة العربية الإسلامية وساهموا في تقدم شعوبنا علميا، ونحن إيمانا منا بهذا التوجه المتواصل والحضاري، عشقنا اللغة الفرنسية قمنا بتوظيفها في البحوث التي تم نشرها بمؤسستنا ولكن ليس على حساب لغتنا وثرائنا وتشبثنا بهويتنا الفاعلة في كينونتنا ورفضنا الانبطاح والموالاة لغير القوى الفاعلة والوطنية.
وفي هذا الصدد نظمنا 7 مؤتمرات عن الرئيس الحبيب بورقيبة، في حين لم يجرؤ أحد وقتها حتى على ذكر اسمه وقد ساهمت مؤسسة كونراد أديناور في تنظيم هذه المؤتمرات دون أن تتدخل مطلقا لا في اختيار المشاركين ولا في المحاور، وهذا خلافا لمنطق السياسة الفرنسية الساعية للهيمنة عبر المتواطئين لها والذين كانوا يعتبرون أن الدفاع عن اللغة العربية هو سبب كل مصائب تونس، كما عبر عن ذلك الصحفي حاتم بوريال!
وقد تصدى الأستاذ عز الدين بن حميدة أستاذ العلوم الاقتصادية بأكاديمية نيس والمساهم في عدد من الصحف الفرنكوفونية التونسية والفرنسية، واتهم يومئذ المندوب الجهوي لأكاديمية نيس بإثارة البغضاء والحقد تجاه فرنسا والقيادات السياسية الفرنسية، وقد أكد الأستاذ بن حميدة أن رئيس الجامعة قد باشر باتخاذ إجراء تعسفي ضده بالتنسيق مع السفير Emmanuel Ethis صديق السفير الفرنسي الحالي، وتم ذلك عندما تمت مهاجمة اتفاقية الشراكة التونسية الفرنسية عبر (Aleca) والتي كان الباحث الجامعي بن حميدة اعتبرها مشروعا استعماريا ونموذجا جديدا من صيغ الاستعمار الاقتصادي الجديد، ويعلم الجميع بأن مقالاته كانت حاسمة جدا ضد المسؤولين الفرنسيين والأوربيين وكذا ضد رجال الأعمال التونسيين الذين تغافلوا عن الدفاع عن الثورة.
والباحث عز الدين بن حميدة هو رجل مؤمن ومدافع عن الشخصية التونسية وحق الشعوب بالإشراف على ثرواتها الطبيعية مؤكدا على ما قاله بورقيبة من أننا شعب ذو تاريخ عربي أصيل ومسلم ولدينا تاريخ مشرف ورثناه عن عديد العائلات المالكة من فاطميين وأغالبة وحفصيين وعثمانيين، ومعتزون بأمجاده والرجوع إلى جوهر النخبة، فإننا نرفض العبث بقيم هذا الوطن ونود أن نرى السفراء الأجانب يحترمون بلادنا ويتكلمون لغته ويعززون مضامين الشراكة والصداقة الحقيقية التونسية الفرنسية، إذ نحن متمسكون بها، ولكن ليس على حساب الدوس على لغتنا وتراثنا.
ومع هذا فإن المتواطئين واصلوا التشنيع بلغة الضاد وأن التعريب قد غذى وأوجد الإرهاب وإن مثل هذه المواقف بائسة حقا ومدانة، وليتأكد السيد بوريال أننا نشرنا باللغة الفرنسية ما لم ينشره أغلبية التونسيين، وأننا منذ انضمامنا إلى الجامعة التونسية بعد مناقشتي لأول رسالة دكتوراه دولة، لتونسي بجامعة آكس أون بروفنس في فيفري 1972 قمنا بتعريب مادة التاريخ مثلا والذي كان يدرس بالفرنسية قبل ذلك، وأدينا دورا مشرفا صحبة د. الحبيب الجنحاني والمرحوم رشاد الإمام وثلة من التونسيين المؤمنين بالتعريب وتلك هي قناعة ثابتة وأن من ينادي بعكس ذلك، عليه أن يتصفح المجلة التاريخية المغاربية والتي أنشأناها منذ 44 عاما وأن المتفرنسين سعوا بكل السبل لوقفها ومع ذلك تمكنت من أن تكون المجلة الأولى ذات السمعة الدولية وأغلب المشاركين فيها من الجامعات الأورو-أمريكية ومن المغاربيين.
نذكر هنا بهذه الحقائق للتأكيد على أننا أوفياء للثورة ولتاريخنا الحافل بالبطولات وأننا من معدن آخر وأن مثل سلوك السفير الفرنسي تجاه الشرفاء في بلادنا لا يؤثر في قناعاتنا وثوابتنا ورسالتنا للجميع.