إلى وزير الداخلية: هل ستأخذنا بجرم القول والكتابة ؟!
أحمد الرحموني
رئيس المرصد التونسي لاستقلال القضاء
مهما قيل عن المؤسسة الأمنية وأساسا عن الشرطة التونسية، فإن الإنطباع حاصل أن أغلبية التونسيين لا يثقون فيها ولهم رأي وحكم سيئ بشأنها على امتداد العقود. ويبدو أن الأسباب الداعية إلى ذلك ترجع إلى تصور رجال الأمن (ومؤسستهم) لدورهم ومهامهم وخصوصا إلى “الإنحراف” في تنفيذ مسؤولياتهم وتعاملهم مع الناس.
ورغم الحديث -الذي لم ينقطع منذ الثورة- عن دور جديد للمؤسسة الأمنية والمقتضيات المرتبطة بمضمون الأمن الجمهوري فإن رأي االعموم لم يتزحزح في جوهره عن ذلك وبقي “البوليس” أو “الحاكم” في نظر الكثير مظنة للرشوة والتجاوزات والعنف والتعذيب والقمع وانتهاك الحقوق والحريات…الخ.
وهذا لا ينفي أن دور المؤسسة الأمنية (وبالمثل العسكرية) في مواجهة الإرهاب قد حاز -في وضعيات طارئة- رضاء عاما لا يكاد يستقر حتى يتحول إلى معارضة شديدة في أول اصطدام بين الأمن والمواطنين.
ولعل الظهور الأخير لوزير الداخلية السيد لطفي براهم وتصريحاته المثيرة أمام مجلس نواب الشعب يوم الإثنين الفارط تضعنا من جديد في مواجهة الإشكالية المحورية المتعلقة بالتبعية الديمقراطية للمؤسسة الأمنية. فقد لا يدري المواطن -رغم التحولات- من هذا الذي يخاطبه: هل هو “وزير الثورة” أم ذلك القادم مع رياح الإستبداد ؟
فكلماته لم تغادرها فعلا “عقلية البوليس” حتى نعتقد لحظة أنها تترك مكانها “لعقلية التحرر” !: “سنقوم بتتبع كل مدون يمس من معنويات المؤسسة الأمنية ويشكك فيها !. ان القانون سيكون الفيصل لمن يثيرون الرأي العام ويثيرون البلبلة بأقوالهم وكتاباتهم على صفحات التواصل الاجتماعي، وعلى كل شخص أن يتحمل مسؤوليته! وكل الشعب التونسي الشريف معكم لا للخونة بيننا!”.
فهل أدرك أن ما يتسرب من بين شفتيه (التشكيك – القانون هو الفيصل – الإثارة – البلبلة – الخيانة…) هي مفردات الماضي التي كان “يغمرنا” بها الطيب المهبري.. والطاهر بلخوجة.. وإدريس قيقة وزين العابدين بن علي …وعبد الله القلال..ورفيق بالحاج قاسم من وزراء الداخلية في العهدين البغيضين ؟!
فهل أنت تستعير لسانهم أو تتخفى وراءهم أو تلعب أدوارهم في زمان غير زمانهم ؟! وهل ستأخذنا (وأنت تصف المشككين بالخيانة !) بجرم القول والكتابة ؟!
وهل غاب عنك أن الأمن يحفظ للناس كرامتهم ويحمي أعراضهم وأرواحهم وأموالهم ويذود عن البلاد ؟!.
وهل أعجبتك نفسك وأخذتك العزة بالإثم ؟! أم أردت أن تجعل الناس تخافك والله “آمَنَهُمْ مِنْ خَوْف”؟!