سامي براهم
بين قيامة أرطغرل الذي يؤرّخ لانتقال التركمان من قبايل بدويّة متناحرة إلى أمّة تقود العالم، وقُسِم “حريم السلطان 6” الذي يؤرّخ لتاريخ السلطنة العثمانيّة التي حكمت العالم وحكايا ما وراء جدران الباب العالي الذين يبثّان على قناتين تونسيتين.
مقاربتان دراميّتان مختلفتان لتاريخ تركيا، الأولى عثمانيّة تمجيديّة والثّانية علمانيّة نقديّة، تختلفان في الرّؤية الفنيّة والرّسالة الأيديولوجيّة ولكنّهما تشتركان في المرجعيّة القوميّة المسيطرة على الأتراك، والحاملة لحلم الامّة التركيّة في النّهوض والزّعامة ونشر الثقافة التركيّة.
بينما نهتمّ نحن بالقلوب البيضاء والمنتوجات التركيّة الاستهلاكيّة الرّخيصة، تغزو بيوتَنا المسلسلات التركيّة بغثّها وسمينها، من وادي الذّئاب وبطله مراد علم دار الذي أصبح أيقونة الكبار والصّغار وقد وبلغ جزءَه التّاسع إلى مسلسل “رغم الأحزان” و”قلوب الرمّان” و”قطّوسة الرّماد” و”ورد وشوك” و”عفّت” وقبلها “نور” و”العشق الممنوع” وبطله الوسيم مهنّد الآسر لقلوب النّساء، وغيرها من المسلسات التركيّة على تفاوت قيمتها الفنيّة…
بل أصبحنا لا نكتفي بالدّبلجة السوريّة وخضنا تحدّي الدّبلجة التّونسيّة، أيّ إنجاز كبير في تونسة حكايات الأتراك ونمط عيشهم اليومي كما تعرضه الدّراما التركيّة !!!.
ينتج الأتراك الدّراما ويصدّرونها لنا ويسوّقون ثقافتهم ومعالمهم السياحيّة وتاريخهم وأعلامهم ونعجز نحن عن إنتاج درامي تونسي في مستوى تاريخ بلدنا وعراقته وأعلامه الفذّة ومحطّاته البارزة والفارقة في تاريخ المنطقة.
ولا نحسن سوى الثرثرة الكرونيكوريّة السطحيّة المتشنّجة عن القلوب البيضاء والهذيان النرجسي البارانووي الخاوي من الإبداع وبناء سرديّة الذّات المتطلّعة إلى المستقبل.
نفاخر بحضارة 3000 سنة ولم ننتج عملا واحدا في مستوى اقرب حدث راهن رفع مقام هذا البلد في اعين العالم: ثورة الحريّة والكرامة.
فرق كبير بين نخب ثقافيّة وفنيّة تؤمن بأمّتها وشعبها وتاريخه ونهضته ونخب ليست سوى معاول هدم لمقوّمات الذّات.
اكتشاف المزيد من تدوينات
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.