زهير إسماعيل
يحاول ممثلو القديم من خبراء القانون الدستوري خاصّة أن يُقنعوا بأنّ النظام السياسي شبه البرلماني المقرر في دستور الثورة كان السبب الرئيسيّ في تعثّٰر الأداء وتشتت القرار وتعطيل البرامج.
وهذه محاولات فاشلة كان يمكن أن يكون لها بعض مصداقية لو أنّٰ مؤسسات الحكومة والرئاسة والبرلمان وُزّعت على ثلاث جهات حزبيّة. والحال أنّٰ نداء تونس بيده الرئاسات الثلاث، غير أنّٰ فاقد الشيء لا يعطيه، وثلاث سنوات من الحكم كشفت عجز القديم عن الاستمرار إلّاٰ باعتباره عنصرا مانعا للبلاد من الانطلاق، وللنظام السياسي من العمل بأقصى طاقاته. وأمّٰا كاذب الوعود والحديث عن فيض الكفاءات فقد افتضح في وقت قياسي، ولن ينفع معه البحث عن “عركة هووية” مفتعلة، لا يهمّ إن أمعنت في تمزيق الممزّق واستهداف بقيّة ما يجمع الناس من مشترك (لجنة بشرى). ولئن خصّ العجز القديم فإنّه كاد يعمّ الجميع، رغم اختلاف درجاته وملابساته، وقد نُسعِف أصحابنا بالفارق الأخلاقي!، وهذا يحتاج كثيرا من الشجاعة لرؤية الأمور على حقيقتها. فالأمر ليس بالوضوح الذي نتوهم، فضلا عما نتج عن انتخابات 2014 من تعقُّد سياسي في المشهد.
في هذا السياق نشير إلى أنّٰ:
• النظام السياسي شبه البرلماني كان من بين العقبات الكبيرة التي منعت الانقلاب على تجربة تأسيس الديمقراطية، لما في هذا النظام من توزيع للسلطة وتخفيف للمركزية. فألغي الصراع على رأس السلطة كان الوصول إليه يمثل تحكما بكل السلطات.
وروح النظام السياسي شبه البرلماني منسجمة مع ما تقرّر في الباب السابع من الدستور باب الحكم المحلّٰي.
• ارتفاع منسوب الوعي، والارتياح إلى حياة الحرية رغم عمق الأزمة المالية الاقتصاديّة، وظهور الحركات الشبابية الاحتجاجية، وحيوية الشارع الذي صار مؤسسة مثل البرلمان لا تقل عنها شرعية وفيه تطرح القضايا الكبرى ومنه قد تملى الحلول.
فلا خوف على تجربة يمثل الشارع أهمّ مؤسساتها، وهذا ما يخيف القديم فيعود إلى تشويه التحركات مثلما حدث في الاحتجاجات الأخيرة، بإطلاق المخربين للنهب والسلب وترويع النّاس.
• أهميّة القانون الانتخابي ودوره في رسم الملامح العملية للنظام السياسي، وقد كان هذا القانون وضع في سنة 2011 لمنع فوز حركة النهضة. ولكن ربُّ ضارّ نافعة فقد كان لتوزّع القوى في المجلس الوطني التأسيسي وتمثيل أوسع الفئات دور مهم في صياغة دستور يمثّل التوانسة. وقد يكون تغيير القانون الانتخابي اليوم ملائما، ولكن يجب أن يراعي التغيير والتنقيح شرط استمرار التجربة ووحدتها وما يسمح بتحقيق الانتقال الاقتصادي الاجتماعي.
• تواصل “عملية التأسيس”: رغم ما عشناه من تحوّٰل من “التأسيس” إلى “الانتقال الديمقراطي” ورغم ما يتهدد الانتقال نفسه، في ظل توازن الضعف الذي نعرف، فإنّ ما نعيشه يؤكّٰد أنّٰ التأسيس مسار وإن ضعف، نراه في أمل استكمال أهمّ أسس النظام الديمقراطي: الهيئة الدستورية، والمحكمة الدستورية، وفيما يمكن أن تعرفه الهيئات الدستورية والتعديلية القائمة، رغم تعثرها واجتهاد القديم في محاربتها، من تطوير لأدائها باتجاه نهوضها بدورها كاملا، وهو هدف القوى الديمقراطية والمؤمنين بتأسيس الحريّة.
وفي نهاية الأمر، النظام السياسي اجتهاد قابل للتحوير والتبديل ولكن بما ينسجم مع مصلحة البلاد والتحولات التي تعرفها وتوجهات الأغلبية، فما يصلح اليوم قد لا يصلح غدا… ليس الدستور مجالا لنزوات فردية ومطامح فئوية ومغانم مافيوزيّة.
اكتشاف المزيد من تدوينات
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.