دولة الإمارات والموقف من الرّبيع العربي

ليلى الهيشري
استعاد العالم العربي ربيعه المزهر وروحه الثائرة بصرخة حرية فكت قيود ملايين المواطنين القابعين تحت ظلم وقهر واستبداد، نسوا فيها لبرهة وصية أحمد العرابي لشعب مصر بأنا خلقنا الله أحرار ولم يخلقنا تراثا أو عقارا، عندما أطلق ثورته المجيدة الرافضة لاستعباد الملوك والاباطرة. ورغم ما مثلته الحركات المناهضة للاستعمار في خمسينيات القرن العشرين من شاهد تاريخي على صحوة الشعوب العربية إلا انها لم تستكمل استحقاقاتها الاجتماعية والسياسية وما لبثت ان رجعت الى سباتها تاركة مصيرها في يد الأنظمة الكليانية المستبدة.
فكانت النهضة التونسية يوم 14 جانفي 2011، التي مثلت لحظة فاصلة في التاريخ الحديث للعالم العربي، ولما استجاب القدر لمطلب الحياة، لتشرق شمس الكرامة في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا، استنكرت بعض الانظمة الديكتاتورية وعلى رأسها دولة الإمارات العربية المتحدة ظاهرة التمرد على الموجود، فعملت جاهدة على تفخيخ هذه الثورات واستنساخ البديل عن الانظمة المخلوعة، متخلية عن وعودها الكاذبة في دعم الثورات وكاشفة عن مخاوف حقيقية للانظمة الخليجية في تهديد حقيقي لعروشهم، ترجمته السياسة الخارجية للامارات وحلفاؤها في التعاطي مع ملف الربيع العربي.
تعد الإمارات العربية المتحدة من أبرز الدول الخليجية النفطية التي لعبت دورا هاما في إعادة ترتيب البيت الخليجي في الفترة الأخيرة. ولقد سجل النمو الشامل في دولة “السبع إمارات” حافزا هاما لها في البحث عن السبل الكفيلة بالمتوقع في الساحة السياسة العالمية، انطلاقا من عضويتها في مجلس التعاون الخليجي، عبر بناء شراكة متينة مع المملكة العربية السعودية، فضلا عن تقربها الاستراتيجي من الولايات المتحدة الأمريكية بموجب اتفاقية عسكرية مغرية كانت لها الفضل في اكتسابها لوزن استراتيجي هام رغم صغر جحرها الجغرافي.
ورغم المستوى المشرف معماريا واقتصاديا وسياسيا، إلاّ أن التحولات السياسية التي شهدتها المنطقة العربية، منذ حلول الربيع العربي شكلت مصدر فوبيا حقيقية للأنظمة الملكية في كل الأقطار العربية وأهمها منطقة الخليج ومنها الإمارات العربية المتحدة، ورغم التصريحات الرسمية المشرقة التي انبعثت من وسائل الإعلام الإماراتية والمؤسسات الدستورية للدولة، حول ترحيبها بالربيع العربي ودعمها المادي والسياسي للشعوب المنتفضة إلا أن التحركات الميدانية لمؤسسات الإمارات وممثليها الديبلوماسيين في هذه المناطق بالذات لا تتماشى وتلك المواقف المعلنة، حيث عبر الكثير من المحللين السياسيين عن ظاهرة الازدواجية في التعامل مع الثورات باعتماد أسلوب انتقائي وغير واضح المعالم أثار الشكوك حول نوايا النظام الإماراتي.

استطاع نظام الحكم في الإمارات تنفيذ أجندته السياسة في دول الشرق الأوسط والمغرب العربي بنجاح رغم عدم وجود تكافئ بين وسائلها المحدودة و قوة الدول التي سقطت ضحية الاضطراب والانقسام الداخلي في ليبيا وسوريا ومصر واليمن، دون إن ينال من الثورة التونسية لعدم وجوب المقارنة بينها وبين الثورات الأخرى لعدة أسباب اجتماعية وإيديولوجية، ولعل هذا الغضب من عدم سقوط قرطاج في أيدي ملوك الصحراء كان كفيلا باثارة غضبهم، ولم يبق لهم سوى حجج واهية تحط من قيمة ذلك البهرج الاعلامي والأبراج المعمارية العالية، إذ عمدت السلط الاماراتية مؤخرا إلى منع نساء تونس من السفر من والى الأرض الإماراتية لفترة وجيزة معتبرة تلك الخطوة كفيلة بالضغط على الدولة التونسية التي رغم ما يربطها بالحكومة الإمارات من اتفاقيات شراكة وتبادل تجاري وعلاقات دبلوماسية رسمية سليمة ومتوازنة، إلا أنها اكتشفت في الأخير أن الخارجية التونسية هي مدرسة تاريخية كانت قدوة لجيرانها في المغرب العربي والعالم العربي لعقود ولن تكون الإمارات العربية المتحدة قادرة على تجاوز التاريخ العريق لتونس التي تمثل جوهرة الربيع العربي وشرارة الانطلاق حيث عجزت دولة الشيخ زايد بكل ثقلها المالي والإعلامي ونفوذها وقواعدها العسكرية أن تطال حقيقة التميز التونسي صانع الثورات في العالم العربي والتي خلدها التاريخ رغم كل ما تمر به تونس من عقبات.

مركز الدراسات الإستراتيجية والدبلوماسية

المقال كاملا

Exit mobile version