سامي براهم
الشّعب يريد …
من مصادر موثوقة جدّا أنّ فصلا من فصول مدرسة المشاغبين كان يُعَدّ للرّئيس الضّيف لتشليكه وإهانته، لكن وقع تحويل وجهة الّلقاء ليبقى المشاغبون في التسلّل والغبن وتفريغ شحنة الاحتقان عبر القنوات والإذاعات…
لا يجب أن يُفهَم من ذلك ولاء للضّيف فهو معنيّ بالكثير من الأسئلة المعلّقة حول مرور شبابنا عبر حدود بلده إلى بؤر التوتّر وحول الاتفاقية التّجاريّة المخلّة المبرمة منذ زمن الاستبداد وغيرها من المسائل التي كان يمكن إثارتها بأسلوب حضاريّ مسؤول لنخبة محترمة وإعلام مسؤول…
لكن نخب السياسة والإعلام التي لم يتجاوز وعيها وخطابها مربّعات الاجتماعات الطلابيّة الاحتجاجيّة والشّحن الأيديولوجي والعقائديّ فوّتت الفرصة على الرّاي العامّ ليشهد حجاجا راقيا ومناظرات مسؤولة تعطي الصّورة المثلى عن سيادة بلد أنجز ثورة.
هذه المشهديّة الغوغائيّة لتلاميذ الدّيمقراطيّة المبتدئين هي التي تسيء لصورة البلد وتقلّل من شأنه وتضرب سيادته وتعطي الانطباع أنّ الثّورة هي الشّغب والفوضى في الأمن والمؤسّسات والسياسة والمعاني والقيم.
يُقال عن الدّيمقراطيّة عندما يُرَاد استهدافُها واستهداف مخرجاتها التي لا تنسجم مع مصالح فئات متنفّذة أنّها أنشأت النّازيّة والفاشيّة وهذا استنتاج قاصر ومحدود لأنّ النّازيّة لم تأت عبر الصّناديق بل عبر قصف العقول ورجم الوعي و دمير المناعة النّفسيّة وتخريب الحصانة الفكريّة التي مارسها جيش من الدّعاة على النّهج الذي رسمه قوبلز.
قوبلز لم يمت فلا يزال نهجه أنجع الأسلحة الفتّاكة التي يستعملها أصحاب النّفوذ والمصالح المضادّة لنهضة الشّعوب وتحرّرها لتثبيت وجودهم والفتك بخصومهم وتدمير قابليّتهم للصّمود وطاقتهم على البقاء والبناء…
لكنّ الثّورة التي رفعت أكثر الشّعارات مضادّة للقوبلزيّة يصعب أن تقع في شراكها… الشّعب يريد… يعني الشّعب وليس الزّعيم ولا الحزب ولا الأيديولوجيا… الشّعب يريد في ظاهره شعار هلاميّ فضفاض وفي عمقه تحرير للإرادة والوعي والوجدان… وتحويل لجهة مصدريّة السّلطة والمعنى من الجهات التقليديّة إلى جهة أوسع وأكثر تعدّدا وغيريّة حتّى لا تكون دُولَة بين القلّة المحتكرة للنّفوذ والمصالح والمعنى.
الشّعب يريد عنوان ثورة ومنهج للمقاومة وبرنامج صمود.