صالح التيزاوي
نظّموا وقفة احتجاجيّة في الصّباح فجاءهم باللّيل، تنادوا إلى وقفة ثانية أمام مجلس نوّاب الشّعب، فتركهم في العراء تحت الأمطار. وهذا ما أغضب النّائب عن الجبهة الشّعبيّة وجعله يشهر سيفه في برنامج تلفزي مع مريم بلقاضي، ذكّرني بفلم عادل إمام “عنتر شايل سيفو”، عندما ظنّ نفسه فاعلا ولكنّه اكتشف فيما بعد أنّه مفعول به. “العلوي” تفنّن في تزوير التّاريخ وتشويه الوقائع بما يخدم أجواء الحرب التي صنعها وأقنع نفسه بأنّه فارسها وبطلها. لكن ما لا يمكن فهمه: كيف يريد أردوغان استعادة أمجاده على حساب التّونسيين؟ فيما أعلم أنّه لم يأت في جيوش برّيّة أو بحريّة.
لست في موقع المدافع عن أردوغان. للرّجل حزبه وشعبه الذي دافع عنه بصدور عارية ليلة المحاولة الإنقلابيّة الفاشلة. قطعا هو ليس في حاجة إلى مثلي. ولعلّ الأرقام التي قدّمتها السّيّدة سنية الدّهماني تقنع وزيادة لمن كان له عقل وسمع. ولا يحمل في قلبه أحقاد التّاريخ والأيديولوجيا. إمعانا منه في التّضليل ألقى بورقة العرقيّات، فالأكراد أو كما سمّاهم حمّة الهمّامي “الشّعوب الكرديّة” وهي ذات التّسمية التي يستعملها “حزب العمّال الكردستاني” المصنّف منظّمة إرهابيّة، يعانون من الإضطهاد. ولكنّ ّ الواقع يقول عكس ذلك. فقد صوّتوا لأردوغان ولحزبه كما لم يصوّتوا لزعيم من قبله باستثناء حزب العمّال لأنّه ذو نزعة انفصاليّة. لماذا إذا هذه الرّغبة من الجبهة لإفشال الزّيارة؟ هل هو تعاطف مع حزب العمّال الكردستاني؟ هل فعل الرّفاق ذلك نكاية بحركة النّهضة؟ ولكنّ الإتّفاقيات الموقّعة بين الدّولتين تصبّ في مصلحة الشّعب التّونسي (تعديل الميزان التّجاري).
أليس هذا هو مطلب الرّفاق ؟ فلماذا التّشنّج إذا؟ أم لتلك “الهستيريا” علاقة بنجاح التّجربة التّركيّة في الجمع بين قيم الإسلام وقيم الدّيمقراطيّة، وبالتّالي الخوف من رواج التّجربة التّركيّة في البلاد العربيّة؟ ذلك أنّ الرّفاق أفنوا أعمارهم لإقناع النّظم الإستبداديّة ودوائر الإستشراق والغرب عموما بأنّ الإسلاميين ليسوا ديمقراطيين، وأنّ الإسلام والدّيمقراطيّة لا يلتقيان، فإذا بالتّجربة التّركيّة تسفّه أحلامهم، لذا قرّروا محاربتها قبل أن تأخذ طريقها إلى بلاد عربيّة أخرى. فالرّفاق، ليسوا معنيين بالإنفتاح على التّجارب الدّيمقراطيّة، وإنّما انفتاحهم يقتصر على التّجارب
الإنقلابيّة والعنيفة. وعند الرّفاق، لا تشدّ الرّحال إلّا إلى أربع: “حفتر، والسّيسي، وخلفان، وقاتل الأطفال”.
مهما بلغت تركيا من حداثة حقيقيّة وليست صوريّة كتلك التي تروّج لها الجبهة، فإنّهم يرون في أردوغان مجرّد “خوانجي”، ذلك المصطلح الفضفاض، وهو بفعل الرّفاق لم يعد دالّا على “الإسلام الحركي” أو “الإسلام السّياسي” وإنّما أصبح يشمل من يقول “السّلام عليكم” بدل “مساء الخير”، ويشمل من يقول “سبحان اللّه”، ومن يتورع عن “سبّ الدّين والجلالة”. أمّا من يواظب على صلاته في الجوامع فلا شكّ أنهّ يحمل بذور التّطرّف في “جيناته”، لن تخطئه عين “الزّغيدي” وسائر القوّادين من تقاريرهم اليوميّة والأسبوعيّة (استفيد)، حتّى غصّت سجون المخلوع بضحاياهم.